كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ , عُثْمَانُ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ , الرَّازِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ يَقُولُ: " §لَا تَجْعَلِ الزُّهْدَ حِرْفَتَكَ لِتَكْتَسِبَ بِهَا الدُّنْيَا وَلَكِنِ اجْعَلْهَا عِبَادَتَكَ لِتَنَالَ بِهَا الْآخِرَةَ , وَإِذَا شَكَرَكَ أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَمَدَحُوكَ فَاصْرِفْ أَمَرَهُمْ عَلَى الْخُرَافَاتِ , وَقَالَ: تَرَى الْخَلْقَ مُتَعَلِّقِينَ بِالْأَسْبَابِ , وَالْعَارِفُ مُتَعَلِّقٌ بِوَلِيِّ الْأَسْبَابِ إِنَّمَا حَدِيثُهُ عَنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ يَحْتَرِفُ بِهَذَا دَهْرَهُ وَيَدْخُلُ بِهِ قَبْرَهُ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ كَانَتِ الْحَيَاةُ قَيْدَهُ كَانَ طَلَاقُهُ مِنْهَا مَوْتَهُ , وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: الدُّنْيَا لَا قَدْرَ لَهَا عِنْدَ رَبِّهَا وَهِيَ لَهُ فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَدْرُهَا عِنْدَكَ وَلَيْسَتْ لَكَ قَالَ: وَسُئِلَ يَحْيَى عَنِ الْوَسْوَسَةِ , فَقَالَ: إِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا سِجْنَكَ كَانَ جَسَدُكَ لَهَا سِجْنًا وَإِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا رَوْضَتَكَ كَانَ جَسَدُكَ لَهَا بُسْتَانًا , وَقِيلَ لِيَحْيَى: كَيْفَ يَتَعَبَّدُ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ بِضَاعَةٍ تُعِينُهُ عَلَى الْعِبَادَةِ؟ قَالَ: أُولَئِكَ بِضَاعَتُهُمْ مَوْلَاهُمْ وَزَادُهُمْ تَقْوَاهُمْ وَشُغْلُهُمْ ذِكْرَاهُمْ وَمَنِ اهْتَمَّ بِعَشَائِهِ لَمْ يَتَهَنَّ بِغَدَائِهِ وَمَنْ أَرَادَ تَسْكِينَ قَلْبِهِ بِشَيْءٍ دُونَ مَوْلَاهُ لَمْ يَزِدْهُ اسْتِكْثَارُهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا اضْطِرَابًا "
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو , ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلَوِيَّةَ , سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ يَقُولُ: «§لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَارِفِينَ إِلَّا هَاتَانِ النِّعْمَتَانِ لِكَفَاهُمْ مِنْهُ مَتَى رَجَعُوا إِلَيْهِ وَجَدُوهُ وَمَتَى مَا شَاءُوا ذَكَرُوهُ»
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ , ثنا الْحَسَنُ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ: " §مِنْ صِفَةِ الْعَارِفِ شَيْئَانِ مَا مَضَى , وَمَا كَانَ وَفِيمَا هُوَ وَمَا أَعْلَمُ وَكَيْفَ أَعْمَلُ وَبَعْدَهُ مَا يَكُونُ؟ فَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ أَمْسِ وَالْيَوْمُ وَغَدَا؟ قَدْ زَلَّ عَنْ قَلْبِهِ عَجَبُ عَمَلِهِ وَلَازَمَهُ خَوْفُ ذَنْبِهِ , قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى , يَقُولُ: مِنْ صِفَةِ الْعَارِفِ جِسْمٌ نَاعِمٌ وَقَلَبٌ هَائِمٌ وَشَوْقٌ دَائِمٌ وَذِكْرٌ لَازِمٌ قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ: عِبَادَةُ الْعَارِفِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مُعَاشَرَةِ الْخَلْقِ بِالْجَمِيلِ وَإِدَامَةِ الذِّكْرِ لِلْجَلِيلِ وَصِحَّةِ جِسْمٍ , بَيْنَ جَنْبَيْهِ قَلْبٌ عَلِيلٌ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سُبْحَانَ مَنْ طَيِّبَ الدُّنْيَا لِلْعَارِفِينَ بِمَعْرِفَتِهِ وَسُبْحَانَ مَنْ طَيِّبَ لَهُمُ الْآخِرَةَ بِمَعْذِرَتِهِ فَتَلَذَّذُوا أَيَّامَ الْحَيَاةِ بِالذِّكْرِ فِي مَجَالِسِ مَعْرِفَتِهِ وَغَدًا يَتَلَذَّذُونَ فِي رِيَاضِ الْقُدُسِ بِشَرَابِ مَغْفِرَتِهِ فَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا زَرْعُ ذِكْرٍ -[58]- وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ رَبِيعُ بِرٍّ سَارُوا عَلَى الْمَطَايَا مِنْ شُكْرِهِ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى الْعَطَايَا مِنْ ذُخْرِهِ فَإِنَّهُ مَلِكٌ كَرِيمٌ "

الصفحة 57