كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 10)
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ , ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلُّوَيْهِ الدَّامَغَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ يَقُولُ: " §يَا مَنْ أَقَامَ لِي غَرْسَ ذِكْرِي وَأَجْرَى لِي أَنْهَارًا تَجْرِي وَجَعَلَ لِي أَيَّامَ عِيدٍ فِي اجْتِمَاعِ الْوَرَى وَأَقَامَ لِي فِيهِمْ أَسْوَاقَ تَقْوَى أَقْبَلْتُ إِلَيْكَ مُعْتَمِدًا عَلَيْكَ مُمْتَلِئَ الْقَلْبِ مِنْ رَجَائِكَ وَرَطْبَ اللِّسَانِ مِنْ دُعَائِكَ فِي قَلْبِي مِنَ الذُّنُوبِ زَفَرَاتٌ وَمَعِي عَلَيْهَا نَدَامَاتٌ إِنْ أَعْطَيْتَنِي قَبِلْتُ وَإِنْ مَنَعْتَنِي رَضِيتُ وَإِنْ تَرَكْتَنِي دَعَوْتُ وَإِنْ دَعَوْتَنِي أُجَبْتُ , فَأَعْطِنِي إِلَهِي مَا أُرِيدُ فَإِنْ لَمْ تُعْطِنِي مَا أُرِيدُ فَصَبِّرْنِي عَلَى مَا تُرِيدُ قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى , يَقُولُ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ لَمْ يَمُتْ قَبْلَ أَجَلِهِ , وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ مِنَ الْخَيْرِ: أَوَّلُهَا الْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّوْبَةِ، وَالثَّانِي الْقَنَاعَةُ بِرِزْقٍ يَسِيرٍ، وَالثَّالِثُ النَّشَاطُ فِي الْعِبَادَةِ , وَمَنْ حَرَصَ عَلَى الدُّنْيَا فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ فَوْقَ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُيُوبِ ثَلَاثُ خِصَالٍ: أَوَّلُهَا أَنْ تَرَاهُ أَبَدًا غَيْرَ شَاكِرٍ لِعَطِيَّةِ اللَّهِ لَهُ , وَالثَّانِي لَا يُوَاسِي بِشَيْءٍ مِمَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الدُّنْيَا , وَالثَّالِثُ يَشْتَغِلُ وَيَتْعَبُ فِي طَلَبِ مَا لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ حَتَّى يَفُوتَهُ عَمَلُ الدِّينِ "
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْبَغْدَادِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ يَقُولُ: " §الصَّبْرُ عَلَى النَّاسِ أَشَدُّ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى النَّارِ قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى , يَقُولُ: تَأْبَى الْقُلُوبُ لِلْأَسْخِيَاءِ إِلَّا حُبًّا وَإِنْ كَانُوا فُجَّارًا وَلِلْبُخَلَاءِ إِلَّا بُغْضًا وَإِنْ كَانُوا أَبْرَارًا , وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ إِلَّا وَفِيهِ فَقْرٌ وَحِرْصٌ وَلَكِنْ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا -[67]- حُرَصَاءَ عَلَى طَلَبِ الْجَنَّةِ فُقَرَاءَ إِلَى رَبِّهِمْ , وَالْمُنَافِقُ حَرِيصٌ عَلَى الدُّنْيَا فَقِيرٌ إِلَى الْخُلُقِ , قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى , يَقُولُ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَصْبَحَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ لَمْ يَصِبْ طَرِيقَ الْعَزْمِ: أَوَّلُهَا كَمَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُعْطِ رِزْقَكَ الْيَوْمَ غَيْرَكَ فَلَا تَعْمَلْ لِغَيْرِهِ وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُشَارِكْ فِيمَا أَعْطَاكَ أَحَدًا فَلَا تَشَارِكْ فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَعْمَلُ لَهُ يَعْنِي الرِّيَاءَ وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّفْكَ الْيَوْمَ عَمَلَ غَدٍ فَلَا تَسْأَلْهُ رِزْقَ غَدٍ عَلَى جَوْرٍ حَتَّى إِذَا لَمْ يُعْطِكَ شَكْوَتَهُ , قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى , يَقُولُ: إِذَا لَاحَظْتَ الْأَشْيَاءَ مِنْهُ كَانَ لَهُمْ طَعْمٌ آخَرُ , قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى , يَقُولُ: لَيْسَ بِصَادِقٍ مَنِ ادَّعَى حُبَّهُ وَلَمْ يَحْفَظْ حَدَّهُ , قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى , يَقُولُ: سُقُوطُ رَجُلٍ مِنْ دَرَجَةٍ ادِّعَاؤُهَا , قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى , يَقُولُ: إِذَا عَمِلُوا عَلَى الصِّدْقِ انْطَلَقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ عَلَى الْخَلْقِ بِالشِّدَّةِ وَإِذَا عَمِلُوا فِي التَّفْوِيضِ انْكَسَرَتْ أَلْسِنَتُهُمْ عَنِ الْخَلْقِ , مَبْهُوتِينَ , الْأَوَّلُ مِنْ صِفَةِ الزَّاهِدِينَ وَالثَّانِي مِنْ صِفَةِ الْعَارِفِينَ قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى , يَقُولُ: إِنَّمَا تَلْقَى الزَّاهِدَ فِي الدُّنْيَا أَحْيَانًا لِيَرْفُقَ بِعِبَادِ اللَّهِ إِذَا ذَلُّوا , قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى , يَقُولُ: مَنْ أَقَامَ قَلْبَهُ عِنْدَ اللَّهِ سَكَنَ وَمَنْ أَرْسَلَهُ فِي النَّاسِ اضْطَرَبَ "
الصفحة 66