كتاب الفروع وتصحيح الفروع (اسم الجزء: 10)

ظُلْمًا لَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى ظَالِمِهِ بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ عَلَيْهِ, نَحْوَ: أَخْزَاك اللَّهُ, أَوْ لَعَنَك اللَّهُ, أَوْ يَشْتُمُهُ1 بِغَيْرِ فِرْيَةٍ, نَحْوَ يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ, فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:41] فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَّا عَلَى الظَّالِمِ لِلنَّاسِ الْبَاغِي, وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْمَخْلُوقِ مِنْ وَكِيلٍ وَوَلِيِّ أَمْرٍ وَغَيْرِهِمَا فَاسْتِعَانَتُهُ بِخَالِقِهِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الدُّعَاءُ قِصَاصٌ وَمَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ فَمَا صَبَرَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ الدَّاعِيَ مُنْتَصِرٌ, وَالِانْتِصَارُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ لَمَّا دَعَتْ عَلَى السَّارِقِ "لَا تُسَبِّخِي" أَيْ لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ2, ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ أَبِي بَكْرٍ الْأَخِيرَةَ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو دَاوُد3, قَالَ: وَإِذَا دَعَا عَلَيْهِ بِمَا آلَمَهُ بِقَدْرِ أَلَمِ ظُلْمِهِ فَهَذَا عَدْلٌ.
وَإِنْ اعْتَدَى فِي الدُّعَاءِ كَمَنْ يَدْعُو بِالْكُفْرِ عَلَى مَنْ شَتَمَهُ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ فَذَلِكَ سَرَفٌ مُحَرَّمٌ. وَمَنْ حَبَسَ نَقْدَ غَيْرِهِ عَنْهُ مُدَّةً ثُمَّ أَدَّاهُ إلَيْهِ عُزِّرَ, فَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْإِثْمَ فَلَا ضَمَانَ فِي الدُّنْيَا لِأَجْلِ الرِّبَا, وَهُنَا يُعْطِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ حَسَنَاتِ الْآخَرِ تَمَامَ حَقِّهِ, فَإِذَا كَانَ هَذَا الظَّالِمُ لا يمكنه
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية "شمته" والمثبت من "ط".
2 أخرجه أبو داود "1497".
3 تقدمت ص "121".

الصفحة 123