كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 10)

مستحب ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا ولو قصر عما يقدر عليه وعما ينبغي له لا يسمى واصلا
هذا والرواية الخامسة والسادسة تفيدان أن صلة الرحم تزيد الرزق وتطيل العمر وظاهرهما يتعارض مع قوله تعالى {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف 34] والجمع بينهما من وجوه
أحدها أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة وصيانته عن تضييعه في غير ذلك
ومن المعلوم أن الزمن ظرف لما يقع فيه من الأعمال فمن الناس من يعمل عملا في يوم ويعمله آخر في أسبوع فاليوم عند هذا في قيمته وبركته يساوي أسبوعا عند ذاك سواء في ذلك أعمال الدنيا أو ما يعمها وأعمال الآخرة فصلة الرحم تزيد العمر زيادة معنوية أو بعبارة أخرى يكون الكلام على تقدير مضاف أي تزيد أعمال العمر وهذا الرأي واضح ومحسوس وهو أحرى الآراء بالقبول
الوجه الثاني أن الزيادة زمنية لكنها ليست للشخص نفسه ولكنها لما يتبع حياته بعد موته مما ينفعه كالصدقة الجارية والعلم الذي ينتفع به والولد الصالح يدعو له فهذا الذي ينفعه بعد موته في حكم امتداده لعمره
وبهذين الوجهين يمكن أن نفسر حديث تقاصر أعمار أمته صلى الله عليه وسلم بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم إذ أعطى الله تعالى أمته ليلة القدر وليالي رمضان والجمعة والعبادة في المسجد الحرام والمسجد النبوي وبيت المقدس ومضاعفة الحسنات وغير ذلك
الوجه الثالث أن الزيادة على حقيقتها زمنية وأن الستين سنة تتبدل إلى سبعين مثلا بسبب صلة الرحم لكن ذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمل والآية بالنسبة إلى ما هو في علم الله تعالى كأن يقال للملك مثلا إن عمر فلان ستون سنة مثلا إن لم يصل رحمه فإن وصلها كان عمره سبعين سنة وقد سبق في علم الله أنه يصل رحمه وأن عمره سبعون سنة فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر والذي في علم الملك هو الذي حصلت فيه الزيادة المبنية على صلة الرحم وإليه الإشارة بقوله تعالى {يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} [الرعد 39] فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى ولا محو فيه ويقال له القضاء المبرم ويقال للأول القضاء المعلق
واختار الحافظ ابن حجر وآخرون الوجه الثاني مسترشدين بقول الخليل إبراهيم عليه السلام {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} [الشعراء 84] وبما أخرجه الطبراني في الصغير بسند ضعيف عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال "ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من وصل رحمه أنسئ له في أجله فقال إنه ليس زيادة في عمره قال الله تعالى {فإذا جاء أجلهم} الآية ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده"

الصفحة 12