كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 10)

تدابروا" وقال ابن عبد البر التدابر الإعراض وربطه بالتباغض فقال لأن من أبغض أعرض ومن أعرض ولى دبره والمحب بالعكس فكأن المعنى عنده لا تستجيبوا للبغضاء بالتولي والإعراض
وقيل معناه لا يستأثر أحدكم على الآخر وقيل للمستأثر مستدبر لأنه يولي دبره حين يستأثر بشيء دون الآخر
وقال المازري معنى التدابر المعاداة
وحكى عياض أن معناه لا تجادلوا ولكن تعاونوا
وربطه مالك بالإعراض عن السلام فقال لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن السلام
والمعاني كلها متقاربة إلا أن بعضها أخص من بعض
وفي الرواية الثانية التقاطع بدل التدابر ولفظها "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا" والتقاطع المهاجرة وزاد في السادسة الظن والتحسس والتجسس والتنافس وزادت الرواية الثامنة التناجش وزادت الرواية السابعة "ولا يبع بعضكم على بيع بعض"
أما الظن فلفظ النهي عنه "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" وهو أسلوب تحذير والمراد من الظن المنهي عنه ظن السوء بالآخرين والظن عند العلماء إدراك الطرف الراجح وهو درجة تلي الخواطر النفسية وما يهجس في النفس وهي لا تملك بل تعرض ولا تستقر فإن استقرت ورجح ثبوتها على نفيها كانت ظنا فالظن مرحلة من مراحل حديث النفس وليس بعده إلا اليقين ثم العزم ثم النية ثم النزوع وحمل الخطابي الظن في الحديث على هذا أو على ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه دون ما يعرض ولا يستقر لكنه قد سبق حديث تجاوز الله تعالى عما تحدث به النفوس ما لم تتكلم أو تنزع وتتحرك لذا قال سفيان الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به فإن لم يتكلم به لم يأثم
وقال القرطبي المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم رجلا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما تقتضيها ولذلك عطف عليه قوله "ولا تجسسوا" وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع فنهى عن ذلك
وقال عياض استدل به قوم على منع العمل في الأحكام بالاجتهاد والرأي فإن مبناها الظن وحمله المحققون على ظن في الأحكام مجرد عن الدليل ليس مبنيا على أصل ولا تحقيق نظر وقال النووي ليس المراد في الحديث بالظن ما يتعلق بالاجتهاد الذي يتعلق بالأحكام أصلا بل الاستدلال به لذلك ضعيف أو باطل وقال القرطبي في المفهم الظن الشرعي الذي هو تغليب أحد الجانبين أو هو بمعنى اليقين ليس مرادا هنا من الآية ولا من الحديث فلا يلتفت لمن استدل بذلك على إنكار الظن الشرعي
وأما وصف الظن بكونه أكذب الحديث مع أن تعمد الكذب الذي لا يستند إلى ظن أصلا أشد من

الصفحة 17