كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 10)

فاقد النعمة إلى المتمتع بها وينظر إلى معارفه ومحبيه نظرة أمل في مساعدته أو مواساته أو تخفيف آلامه ولو بكلمة تسأل عن صحته وتشعره بنوع من المشاركة في ابتلائه
من هنا شرع الإسلام عيادة المريض وجعلها حقا على المسلم للمسلم إن المريض كثيرا ما يشعر أنه لم يعد له حول ولا قوة وأنه لم يعد يخافه من كان يخافه ولم يعد يأمل نفعه من كان يحرص على الانتفاع منه وقد يكون ذلك حقيقة وتكون زيارته وعيادته استجابة لأوامر الله ورسوله لا رغبة في خير دنيوي ولا رهبة من أذى بشري ولكنها الرغبة في ثواب الله والعمل على طاعة أوامر الله فيكون أجره عظيما تحسب له خطواته من حين يخرج من بيته إلى أن يصل حسنات وتحيطه في ذهابه وإيابه ملائكة الرحمة تستغفر له وتدعو له أما لحظات جلوسه مع المريض فستكون في كنف الله ورضاه فتدخر له الدقائق والثواني ثمارا من ثمار الجنة يجنيها يوم القيامة
إن المريض في حاجة إلى المواساة والنصيحة والدعوة الصالحة والوعظ والتذكير وليعلم الزائر أنه يوما ما سيرقد رقدة المريض ويحتاج مثل ما يحتاج والجزاء من جنس العمل فمن عاد المرضى هيأ الله له عند مرضه من يعوده ويواسيه ويساعده وينصح له ويدعو له فإن الله مع المريض وليس جزاء الإحسان إلا الإحسان

-[المباحث العربية]-
(عائد المريض) سميت زيارة المريض عيادة لما فيها من التكرار والعود غالبا وهذا الثواب لا يتوقف على التكرار
(في مخرفة الجنة حتى يرجع) في الرواية الثانية وما بعدها "من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" بضم الخاء وسكون الراء وفي الرواية الرابعة تفسير "خرفة الجنة بجناها" مرفوعا هذا التفسير للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الأدب المفرد هو من تفسير الراوي أبي قلابة والجنا اسم ما يجتني من الثمر وقيل هو الثمرة إذا نضجت شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه الذي يجتني الثمر وقيل المراد بالمخرفة هنا الطريق والمعنى أن العائد يمشي في طريق تؤديه إلى الجنة
والأول أولى كذا قال الحافظ ابن حجر وفي كتب اللغة خرف في بستانه بفتح الراء يخرف بضمها خرفا أقام فيه وقت اجتناء الثمر في الخريف وخرف الزارع الثمر جناه في الخريف والخرفة ما يجتني من الفواكه في الخريف والمخرفة البستان والطريق الواضح والسكة بين صفين من النخيل وجمعها مخارف وعند البخاري "من عاد مريضا خاض في الرحمة" أي طيلة طريقه "حتى إذا قعد" عند المريض "استقر فيها" فالمراد من الجنة في حديثنا الرحمة المؤدية إلى الجنة
(إن الله عز وجل يقول يوم القيامة) لمن لم يقم بهذه الشعيرة ولم يعد مرضى المسلمين

الصفحة 32