كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 10)

(لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد) "الصعيد" وجه الأرض أو الجزء المرتفع من وجه الأرض والمعنى لو أن بني آدم من أول أبناء آدم إلى اليوم وفي أي مكان من الأرض اجتمعوا في وقت واحد في مكان واحد
(فسألوني) أي سألني كل واحد منهم ما يتمناه
(فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) "المخيط بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الياء وهو الإبرة وظاهر العبارة إن إعطاء كل واحد مسألته ينقص ما عند الله ولو نقصا يسيرا مع أن المراد أنه لا ينقص شيئا مطلقا لهذا قال النووي قال العلماء هذا تقريب إلى الأفهام ومعناه لا ينقص شيئا أصلا كما قال في الحديث الآخر "لا يغيضها نفقة" أي لا ينقصها نفقة لأن ما عند الله لا يدخله نقص وإنما يدخل النقص المحدود الفاني وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب به المثل في القلة والمقصود التقريب إلى الأفهام بما شاهدوه فإن البحر من أعظم المرئيات عيانا وأكبرها والإبرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء
(إنما هي أعمالكم أحصيها لكم) المقصود أعمال الخير والشر فإن غلبنا أعمال الخير قيل "أحصيها لكم" وإن غلبنا أعمال الشر قيل "أحصيها عليكم" كما في بعض النسخ
(ثم أوفيكم إياها) في الكلام مضاف محذوف أي أوفيكم جزاءها
(فمن وجد خيرا) أي من وجد في كتابه زيادة الحسنات على السيئات
(فليحمد الله) أي فسيحمد الله الذي وفقه في الدنيا لعمله وشمله في الآخرة بعفوه
(ومن وجد غير ذلك) من زيادة السيئات على الحسنات
(فلا يلومن إلا نفسه) أي فسيلوم نفسه حيث لا ينفع اللوم ولا الندم
(إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه) إعلانا للتسليم بما في هذا الحديث مع الذلة والخضوع
(اتقوا الظلم) أي اجعلوا بينكم وبينه وقاية فلا تباشروه
(فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) قال القاضي قيل هو على ظاهره فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلا حين ترى المؤمنين يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم قال ويحتمل أن المراد من الظلمات هنا الشدائد وبه فسروا قوله تعالى {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} [الأنعام 63] أي شدائدها قال ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات اهـ

الصفحة 48