كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 10)

قال الحافظ ابن حجر وهذا الوعيد في هذه الأحاديث يدل على أن الغيبة من الكبائر لكن تقييده في بعضها "بغير حق" قد يخرج الغيبة بحق لما تقرر
قال النووي لكن تباح الغيبة لغرض شرعي وذلك لستة أسباب
أحدها التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول ظلمني فلان أو فعل بي كذا
الثاني الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو قدرته فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك
الثالث الاستفتاء بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي أو زوجي فهل له ذلك وما طريقي للخلاص منه ودفع ظلمه عني ونحو ذلك فهذا جائز للحاجة والأجود أن يقول زوج أو والد أو ولد يفعل كذا وكذا فما الحكم ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها عن أبي سفيان "إنه رجل شحيح"
الرابع تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه منها تجريح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين وذلك جائز بالإجماع بل واجب صونا للشريعة ومنها الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته أو مصاهرته ومنها إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا فتنصح المشتري نصيحة لا بقصد الإيذاء والإفساد ومنها إذا رأيت متفقها يتردد إلى فساق أو مبتدع يأخذ عنه علما وخفت عليه ضرره فعليك نصحه ببيان حاله قاصدا النصيحة
الخامس أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالخمر ومصادرة الناس وتولي الأمور الباطلة فيجوز ذكره بما يجهر به ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر
السادس التعريف فإذا كان معروفا بلقب كالأعمش والأعرج والأزرق والقصير والأعمى والأقطع ونحوها جاز تعريفه به ويحرم ذكره به تنقيصا ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى اهـ
وقد ترجم البخاري بباب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير قال الحافظ ابن حجر حاصله أن اللقب إن كان مما يعجب الملقب ولا إطراء فيه مما يدخل في نهي الشرع فهو جائز أو مستحب وإن كان مما لا يعجبه فهو حرام أو مكروه إلا أن يتعين طريقا للتعريف به حيث يشتهر به ولا يتميز عن غيره إلا بذكره والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "أكما يقول ذو اليدين" وإلى ذلك التفصيل ذهب الجمهور وشذ قوم فشددوا حتى نقل عن الحسن البصري أنه كان يقول أخاف أن يكون قولنا حميد الطويل غيبة
قال ابن المنير إن كان للبيان والتمييز فهو جائز وإن كان للتنقيص لم يجز وحديث عائشة عند أبي الدنيا في المرأة التي دخلت عليها وخرجت فأشارت بيدها أنها قصيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "اغتبتيها" ذلك لأنها لم تفعل هذا بيانا وإنما قصدت الإخبار عن صفتها فكان كالاغتياب والله أعلم.

الصفحة 68