كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 10)

بجسم وإنما هي قرابة ونسب تجمعه رحم والدة ويتصل بعضه ببعض فسمى ذلك الاتصال رحما قال القاضي عياض وهذا المعنى لا يتأتى منه القيام ولا الكلام فيكون ذكر قيامها وتعلقها بالعرش (الوارد في الرواية الثانية) ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك والمراد تعظيم شأنها وفضيلة وأصليها وعظيم إثم قاطعيها بعقوقهم لهذا سمى العقوق قطعا والعق الشق كأنه قطع ذلك السبب المتصل اهـ وعبر ابن أبي جمرة عن هذا المعنى بقوله يحتمل أن يكون بلسان الحال
قال الحافظ ابن حجر ويحتمل أن يكون على الحقيقة والأعراض يجوز أن تتجسد وتتكلم بإذن الله تعالى قال ابن أبي جمرة وهل تتكلم كما هي أو يخلق الله لها عند كلامها حياة وعقلا قولان مشهوران والأول أرجح لصلاحية القدرة العامة لذلك ولما في الأولين من تخصيص عموم لفظ القرآن والحديث بغير دليل ولما يلزم منه من حصر قدرة القادر التي لا يحصرها شيء
قال القاضي عياض ويجوز أن يكون الذي نسب إليه القول ملكا يتكلم على لسان الرحم اهـ
وقال ابن أبي جمرة يحتمل أن يكون المراد بالخلق جميع المخلوقات ويحتمل أن يكون المراد به المكلفين وهذا القول الذي تقوله الرحم يحتمل أن يكون بعد خلق السماوات والأرض وإبرازها في الوجود ويحتمل أن يكون بعد خلقها كتبا في اللوح المحفوظ ولم يبرز بعد إلا اللوح والقلم ويحتمل أن يكون بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله {ألست بربكم} [الأعراف 172] لما أخرجهم من صلب آدم عليه السلام مثل الذر اهـ
في الرواية الثانية "الرحم معلقة بالعرش" وعند البخاري "قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقال له مه" وفي رواية "بحقوى الرحمن" بالتثنية والحقو معقد الإزار وهو الموضع الذي يستجار به ويحتزم به على عادة العرب فاستعير ذلك مجازا للرحم في استعاذتها بالله من القطعية وقد يطلق الحقو على الإزار نفسه وهو أقرب للمراد هنا وهو الذي جرت العادة بالتمسك به عند الإلحاح في الاستجارة والطلب والمعنى على هذا صحيح مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن الجارحة قال الطيبي هذا القول مبني على الاستعارة التمثيلية كأنه شبه حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذب عنها بحال مستجير يأخذ بحقو المستجار به ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم للمشبه به من القيام ثم رشحت الاستعارة بالقول والأخذ وبلفظ الحقو فهو استعارة أخرى والتثنية فيه للتأكيد لأن الأخذ باليدين آكد في الاستجارة من الأخذ بيد واحدة
وقوله في رواية البخاري "مه" أي اكفف وهو اسم فعل للزجر وقال ابن مالك هي هنا "ما" الاستفهامية حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت أي ماذا تريدين؟
(هذا مقام العائذ من القطعية) أي المستعيذ وهو المعتصم بالشيء الملتجئ إليه المستجير به والإشارة إلى المقام أي قيامي في هذا الوقت وفي هذا المكان وبهذه الصفة قيام العائذ بك من القطيعة تطلب من ربها حمايتها من القطيعة والقطيعة هي الإساءة وقيل هي عدم الإحسان

الصفحة 9