كتاب صحيح ابن حبان - محققا (اسم الجزء: 10)

مُتَبَرَّزُنَا، وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ أَنَّا نَكْرَهُ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ قُرْبَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ (1) أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْنَا حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا لِنَأَتِيَ الْبَيْتَ، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟! فَقَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ (2) أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قُلْتُ: وَمَا قَالَ، فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ.
فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي وَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ تِيكُمْ؟ " فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ أَيْ بُنَيَّةَ هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّ امْرَأَةٌ وَضِيئَةٌ كَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ الله أو تحدث الناس بذلك؟! قالت: فمكثت
__________
(1) في الأصل و (التقاسيم) : (ابن خالة) ، وهو خطأ، والمثبت من (المصنف) وغيره.
(2) أي: حرف نداء للبعيد، وقد يستعمل للقريب ينزّل منزلة البعيد، والنكتة فيه هنا أن أم مِسْطَح نسبت عائشة إلى الغفلة عما قيل فيها لإنكارها سبِّ مسطح، فخاطبتها خطاب البعيد، وهنتاه: بفتح الهاء وسكون النون وقد تفتح بعدها مثناة، وآخره هاء ساكنة وقد تضم، ومعناه: يا هذه، وقيل: يا امرأة، وقيل: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكائد الناس وهذه اللفظة تختص بالنداء وهي عبارة عن كل نكرة، وإذا خوطب المذكر، قيل: يا هنة، وقد تشبع النون فيقال: يا هناه.

الصفحة 16