كتاب صحيح ابن حبان - محققا (اسم الجزء: 10)

وَالْخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَيْتُ (1) يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقُ كَبِدِي.
فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي إِذِ اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ مَعِي، فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى حَالِنَا ذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، وَلَمْ يَكُنْ جَلَسَ قَبْلَ يَوْمِي ذَلِكَ مُذْ كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا كَانَ، وَلَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي يَا عَائِشَةُ عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِالذَّنْبِ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ".
فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي، حَتَّى مَا أَحِسُّ مِنْهُ بِقَطْرَةٍ، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَقُلْتُ]-وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ: إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِذَاكَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي بَرِيئَةٌ- لَمْ تُصَدِّقُونِي، وَإِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ -وَاللَّهُ يعلم
__________
(1) في (المصنف) : (فمكثت) ، عن ابن أبي وغيره، ولم يرد النفاق الذي هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر.

الصفحة 19