كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 10)
ثُمَّ أفِيضُوا مِنْ حَيثُ أفَاضَ النَّاسُ قَالَ كانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ فدُفِعُوا إلَى عَرَفاتٍ.
(الحَدِيث 5661 طرفه فِي: 0254) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} (الْبَقَرَة: 991) . لِأَن الْأَمر بالإفاضة من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس لَا يكون إلاَّ بعد الْوُقُوف بِعَرَفَة، فصاروا مأمورين بِالْوُقُوفِ فِي عَرَفَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: فَرْوَة، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْوَاو: ابْن أبي المغراء، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء وبالمد، مر فِي آخر الْجَنَائِز. الثَّانِي: عَليّ بن مسْهر، بِضَم الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْهَاء وبالراء: قَاضِي الْموصل، مر فِي: بَاب مُبَاشرَة الْحَائِض. الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة وَقد تكَرر ذكره الرَّابِع: عُرْوَة بن الزبير. الْخَامِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه وَابْن مسْهر كوفيان، وَأَن هشاما وأباه عُرْوَة مدنيان. وَفِيه: أَن من قَوْله: (قَالَ عُرْوَة) إِلَى قَوْله: (وَأَخْبرنِي. .) مَوْقُوف وَمن قَوْله وَأَخْبرنِي إِلَى آخِره، مُتَّصِل. وَفِيه: قَالَ عُرْوَة، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن معمر: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عُرَاة) ، جمع عارٍ، كقضاة جمع قاضٍ، وانتصابه على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي يطوفون، وَقد مر تَفْسِير الحمس عَن قريب. قَوْله: (وَمَا ولدت) أَي: وَأَوْلَادهمْ، وَاخْتَارَ كلمة: مَا، على كلمة: من، لعمومه. وَقيل: المُرَاد بِهِ والدهم وَهُوَ كنَانَة، لِأَن الصَّحِيح أَن قُريْشًا هم أَوْلَاد النَّضر بن كنَانَة، وَزَاد معمر هُنَا: وَكَانَ مِمَّن ولدت قُرَيْش خُزَاعَة وَبَنُو كنَانَة وَبَنُو عَامر بن صعصعة. وَعَن مُجَاهِد أَن مِنْهُم أَيْضا عدوان وَغَيرهم. قَوْله: (ويحتسبون) أَي: يُعْطون النَّاس الثِّيَاب حسبَة لله تَعَالَى. قَوْله: (يفِيض) ، أَصله من إفَاضَة المَاء وَهُوَ صبه بِكَثْرَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ، أَفَضْتُم دفعتم من كَثْرَة المَاء. قَوْله: (جمَاعَة النَّاس) أَي: غير الحمس. قَوْله: (من عَرَفَات) ، هُوَ علم للموقف، وَهُوَ منصرف إِذْ لَا تَأْنِيث فِيهَا. قَالَه الْكرْمَانِي: وَالتَّحْقِيق فِيهِ مَا قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ. فَإِن قلت: هلا منعت الصّرْف وَفِيه السببان التَّعْرِيف والتأنيث؟ قلت: لَا يَخْلُو التَّأْنِيث، إِمَّا أَن يكون بِالتَّاءِ الَّتِي فِي لَفظهَا، وَإِمَّا بتاء مقدرَة كَمَا فِي سعاد، فالتي فِي لفها لَيست للتأنيث، وَإِنَّمَا هِيَ مَعَ الْألف الَّتِي قبلهَا عَلامَة جمع الْمُؤَنَّث، وَلَا يَصح تَقْدِير التَّاء فِيهَا، لِأَن هَذِه التَّاء لاختصاصها بِجمع الْمُؤَنَّث مَانِعَة من تقديرها كَمَا لَا تقدر تَاء التَّأْنِيث فِي بنت، لِأَن التَّاء الَّتِي هِيَ بدل من الْوَاو لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنييث، فَأَبت تقديرها. انْتهى. وَسميت عَرَفَات بِهَذَا الإسم إِمَّا لِأَنَّهَا وصفت لإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،، فَلَمَّا بصرها عرفهَا. أَو لِأَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حِين كَانَ يَدُور بِهِ فِي المشاعر أرَاهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: قد عرفت. أَو لِأَن آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، هَبَط من الْجنَّة بِأَرْض الْهِنْد، وحواء، عَلَيْهَا السَّلَام، بجذة، فَالْتَقَيَا ثمَّة فتعارفا أَو لِأَن النَّاس يَتَعَارَفُونَ بهَا. أَو لِأَن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرف حَقِيقَة رُؤْيَاهُ فِي ذبح وَلَده ثمَّة أَو لِأَن الْخلق يعترفون فِيهَا بِذُنُوبِهِمْ. أَو لِأَن فِيهَا جبالاً، والجيال هِيَ الْأَعْرَاف، وكل عَال فَهُوَ عرف. قَوْله: (من جمع) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم: هِيَ الْمزْدَلِفَة، وَسمي بِهِ لِأَن آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، اجْتمع فِيهَا مَعَ حَوَّاء، عَلَيْهَا السَّلَام، وازدلف إِلَيْهَا أَي: دنا مِنْهَا أَو لِأَنَّهُ يجمع فِيهَا بَين الصَّلَاتَيْنِ، وَأَهْلهَا يزدلفون أَي: يَتَقَرَّبُون إِلَى الله تَعَالَى بِالْوُقُوفِ فِيهَا. قلت: أَصْلهَا مزتلفة لِأَنَّهَا من زلف، فقلبت التَّاء دَالا لأجل الزَّاي. قَوْله: (قَالَ: وَأَخْبرنِي أبي) أَي: قَالَ هِشَام: وَأَخْبرنِي أبي عُرْوَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (إِن هَذِه الْآيَة) أَي: قَوْله: {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} (الْبَقَرَة: 991) . وَاخْتلف أهل التَّفْسِير فِي هَذِه الْآيَة، فَقَالَ الضَّحَّاك: يُرِيد إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، يَعْنِي: يُرِيد من النَّاس إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَيُؤَيّد مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَمْرو بن عبد الله بن صَفْوَان عَن يزِيد ابْن شَيبَان، قَالَ: أَتَانَا ابْن مربع الْأنْصَارِيّ، وَنحن وقُوف بالموقف، مَكَانا يباعده عَمْرو، فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: كونُوا على مشاعركم فَإِنَّكُم على إِرْث من إِرْث إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح، وَاسم ابْن مربع: زيد، وَقيل: يزِيد، وَقيل: عبد الله بن مربع، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره عين مُهْملَة. وَيزِيد بن شَيبَان أزدي وَله صُحْبَة. قَوْله: (كونُوا على مشاعركم) أَي: على مَوَاضِع الْمَنَاسِك، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (قفوا على مشاعركم) ، وَفِي رِوَايَة حُسَيْن بن عقيل عَن الضَّحَّاك: (من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس) ، أَي: الإِمَام، وَقيل: آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
الصفحة 4
312