كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 55] الآية.
هذا وعد من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد،
__________
بذلك معجزته، وبانت حجته بصدق خبره عن الغيب.
"قال البيضاوي: وهذه الجملة إخبار بالغيب، وكان كما أخبر، لأنهم لو تمنوا الموت لثقل وانتشر، فإن التمني ليس من عمل القلب فيخفى", بل هو أن يقول: ليت كذا، ولو كان بالقلب لقالوا تمنينا، هذا كلام البيضاوي، وهو اختصار لقول الكشاف: إن قلت التمني من أعمال القلوب، وهو سر لا يطلع عليه أحد، فمن أين علم أنهم لن يتمنوه، قلت: ليس التمني من أعمال القلوب، وإنما هو قول الإنسان بلسانه: ليت لي كذا، وليت كلمة تمنٍ، ومحال أن يقع التحدي بما في الضمائر والقلوب، ولو كان بالقلوب لقالوا: قد تمنيناه بقلوبنا، ولم ينقل أنهم قالوه.
قال القطب في حواشيه: استدل على أن التمني ليس من أفعال القلوب، بأن التحدي إنما يكون بأمر ظاهر، وفيه أن التحدي إنما يكون بإظهار المعجز لإلزام من لم يقبل الدعوى، والتمني ليس بمعجز، فهو كقول الخصم: احلف لي إن كنت صادقا، ويمكن أن يقال التحدي هنا لطلب دفع المعجزة، فإن إخباره بأنهم لن يتمنوه أبداً معجزة، طلب دفعها بتمنيهم، والدفع إنما يكون بأمر ظاهر.
"وروي مرفوعا: لو تمنوا الموت لغص" "بفتح المعجمة والصاد المهملة"، أي مات، كما جز به التلمساني وضبطه غيره "بضم المعجمة وفتح المهملة المشددة"، وهما لغتان، "كل إنسان منهم بريقه" أي رضاب فمه، وخصه لأنه إذا جف فمه أسرع هلاكه، "فمات مكانه" سريعا، "وما بقي يهودي على وجه الأرض"، كذا ساق الحديث البيضاوي، وأشار محشيه الحافظ السيوطي، إلى أنه لم يرد بهذ اللفظ، فقال: أخرج البخاري والترمذي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه" ولابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس، موقوفا: "لو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات"، وللبيهقي عنه، رفعه: "لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه". انتهى.
وأخرجه أحمد بسند جيد عن ابن عباس، مرفوعا: "لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا" وأخرجه البيهقي من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، رفعه: "والذي نفسي بيده، لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه"، وبهذا اللفظ الأخير، أورده في الشفاء وقال: يعني يموت مكانه، وقدمت هذا وما قبله في وجوه إعجاز القرآن.
"ومن ذلك قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ

الصفحة 118