كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

{وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ} من الناس {أَمْنًا} وحكما فيهم، وقد فعل ذلك فيهم ولله الحمد والمنة، فإنه لم يمت عليه الصلاة والسلام حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مجوس هجر، ومن بعد أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم، وصاحب مصر والإسكندرية، وهو المقوقس، وملوك عمان، والنجاشي ملك الحبشة الذي تولى بعد أصحمة رحمه الله.
ثم لما مات رسول الله عليه الصلاة والسلام واختار الله له ما عنده من الكرامة، قام بالأمر بعد خليفته أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فلمَّ شعث ما
__________
فِي الأَرْضِ} ، بدلا من الكفار، {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 55] من بني إسرائيل بدلا عن الجبابرة، "الآية" سبب نزولها ما أخرجه ابن مردويه في تفسيره والدارمي، ومن طريقه الطبراني والضياء في المختارة، والحاكم، وصححه عن أبي بن كعب، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، فكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح، ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا: ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين، لا نخاف إلا الله، "هذا وعد من الله لرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أئمة الناس" قادتهم، "و" يجعلهم "الولاة" أي الحكام "عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع" وتذل "لهم العباد" وهذا كالتفسير لقوله: {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} ، وهو الإسلام، بأن يظهره على جميع الأديان، ويوسع لهم في البلاد فيملكونها، {وَلَيُبِدِّلَنَّهُمْ} "بالتخفيف والتشديد"، " {مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ} من الناس" الكفار " {أَمْنًا} وحكما فيهم"، "لفظا ومعنى"، "وقد فعل تعالى ذلك فيهم، والحمد لله والمنة"؛ لأن وعده عز وجل متحتم الوقوع، "فإنه لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين" بلفظ تثنية بحر اسم لموضع بين البصرة وعمان, "وسائر جزيرة العرب".
قال أبو عبيدة: هي ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى تهامة طولا، وأما العرض فما بين يبرين إلى منقطع السماوة.
وقال الأصمعي: هي ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولا، وأما العرض فمن جدة وما والاها من شاطئ البحر إلى ريف العراق "وأرض اليمن بكمالها", وهو إقليم كبير معروف، "وأخذ الجزية من مجوس هجر"، "بفتحتين" إقليم معلوم، "ومن بعد أطراف الشام" كأيلة وغيرها، "وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر والإسكندرية، وهو المقوقس" مع أنه لم يسلم واحدة منهما "وملوك عمان"، "بضم العين وتخفيف الميم" موضع باليمن، أما عمان:

الصفحة 119