كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

حذيفة: ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوه؟ والله ما ترك رسول الله عليه الصلاة والسلام من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلثمائة فصاعدا إلا سماه لنا باسمه واسم أبيه وقبيلته. رواه أبو داود.
وروى مسلم من حديث ابن مسعود في الدجال: فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ".
__________
شيئا" يكون كما في أبي داود، أي يوجد ويحدث بعده من فهم أحوال المسلمين، ومن يتولى أمورهم بعده، وما يكون بعده من الفتن، والحرب، فيكون تامة، والجملة صفة "شيئا"، "في مقامه ذلك" من وضع الظاهر موضع المضمر، لكمال العناية به "إلى قيام الساعة" القيامة "إلا حدث به" أي ذكر أنه سيوجد، والفعل في تأويل الاسم، كقولهم: أنشدك الله لا فعلت، والاستثناء متصل لدخول المحدث به في "شيئا"، وقيل: منقطع بمعنى لكن، "حفظه" أي ما حدث به "من حفظه" أي استمر على حفظه بعض من سمعه لاعتنائهم به، "ونسيه من نسيه" ممن سمعه، أي لم يداوموا بذكرهم له فنسوه، وأفرد ضمير حفظه ونسيه رعاية للفظ "شيئا"، "قد علمه أصحابي هؤلاء" الحاضرون عنده من الصحابة، "وأنه" أي الشأن "ليكون" يوجد "منه الشيء" في الخارج، "قد نسيته" لطول العهد "فأراه" بعد وجوده، "فأعرفه فأذكره" أي أتذكره وأستحضره، "كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه" فيه تقديم وتأخير أي كما أن الرجل إذا غاب عنه رجل كان يعرف وهه وسمته، وهو في مخيلته، لكنه لم يذكره، فإذا رآه تذكره وعرفه، فليس إذا متعلقا بيذكر، بل ينسى المعلوم من الكلام، وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس تشبيها تمثيليا "ثم قال حذيفة: ما أدري أنسي أصحابي" هذا الحديث "أم تناسوه"، أي أظهروا نسيانه خوف الفتنة، لا لقلة الاهتمام به، كما زعم، بل لأنه من الأسرار التي لا ينبغي أن يحدث بها كل أحد، "والله" أقسم للتأكيد "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد"، "بقاف ودال مهملة" ومن زائدة، أي محرك "فتنة" محاربة وإيقاع ضرر بالمسلمين، كالحجاج وغيره الذين معهم جند تتبعهم، كما يتبع الجمل والفرس من يقوده، وفيه استعارة بالكناية، شبه الفتنة بخيل تقاد بمقاودها، وأثبت لها القائد تخييلا، "إلى أن تنقضي الدنيا" تتم وتنتهي مدتها، ويخرب العالم "يبلغ" يصل "من معه" من أتباعه، والضمير للقائد "ثلاثمائة فصاعدا إلا" قد "سماه لنا" صلى الله عليه وسلم "باسمه واسم أبيه وقبيلته" التي عرف بها أعم من كونها منها نسبا أو حلفا أو مقيما عندهم أو غير ذلك، بحيث لم يبق فيه شبهة، والجملة صفة قائد فتنة، أي أنه إنما ذكر منهم من جمعه ثلاثمائة، فأزيد، فإن نقص عنها لم يذكره

الصفحة 124