كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما.
ولا شك أن الله تعالى قد أطلعه على أزيد من ذلك، وألقى عليه علم الأولين والآخرين. وأما علم عوارف المعارف الإلهية فتلك لا يتناهى عددها، وإليه عليه الصلاة والسلام ينتهي مددها.
ومن ذلك ما رواه الشيخان عن أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات.
وفي حديث أنس عند أحمد والبخاري: أن النبي عليه الصلاة والسلام صعد أحدًا، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم الجبل فضربه برجله وقال له: "اثبت
__________
يتجاوزهم، "فوضح" انكشف وانجلى "من هذا الخبر وغيره مما سيأتي من الأخبار، وسنح"، "بمهملتين بينهما نون"، أي ظهر وعبر به تفننا، إذ هو بمعنى وضح "من خواطر الأبرار الأخيار أنه صلى الله عليه وسلم عرفهم" أعلمهم "بما يقع في حياته وبعد موته، وما قد انحتم وقوعه" أي وجب وجوبا لا يمكن إسقاطه، "فلا سبيل إلى فوته" بل لا بد منه.
"وقال أبو ذر" في حديث رواه أحمد والطبراني وغيرهما: "لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي ذهب عنا وانتقل إلى الآخرة "و" الحال أنه "ما يحرك طائر جناحيه في" جو "السماء إلا ذكرنا منه علما" أي عرفنا بعلامات فيه تدل على أشياء تقصد من طيرانه على الصفة التي هو عليها، كذا في الشرح.
وقال غيره: أي ذكر لنا من طيرانه علما يتعلق به، فكيف بغيره مما يهمنا في الأرض، وهذا تمثيل لبيان كل شيء تفصيلا تارة، وإجمالا أخرى، والمعنى لم يدع شيئا إلا بينه لنا، بحيث لا يخفى علينا شيء بعده، وقد كان خطب قبل وفاته خطبا، أطال فيها مرة من الصباح إلى الظهر ومرة من الظهر إلى قبيل الغروب، لم يدع شيئا إلا بينه لأصحابه.
وفي رواية: إلا ذكر لنا منه علما، "ولا شك أن الله تعالى قد أطلعه على أزيد من ذلك، وألقى عليه علم الأولين والآخرين" وعطف على ما فهم مما سبق أنه فيما يتعلق بأحوال الدنيا مما يمكن علمها والاطلاع عليها قوله: "وأما علم عوارف المعارف الإلهية، فتلك لا يتناهى عددها، وإليه صلى الله عليه وسلم ينتهي مددها" لا إلى غيره، إذ لا يصل إلى ذلك، "ومن ذلك" الغيب الذي أخبر به قبل وقوعه "ما رواه الشيخان" من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، "عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي"، "بفتح النون" واسمه أصحمة

الصفحة 126