كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

الصلاة والسلام لسراقة: "كيف بك إذا لبست سواري كسرى"؟ , فلما أتى بهما عمر ألبسهما إياه وقال: الحمد لله الذي سلبهما كسرى وألبسهما سراقة.
ومن ذلك: إخباره عليه الصلاة والسلام بالمال الذي تركه عمه العباس عند أم الفضل، بعد أن كتمه، فقال: ما علمه غيري وغيرها وأسلم كما تقدم ذلك في غزوة بدر من المقصد الأول.
__________
كتابه إليه أن يمزق ملكه كل ممزق، وأحسن القائل:
وكسر كسرى بتمزيق الكتاب فقد ... أذاقه الله تمزيقا بتمزيق
"وأما قيصر، فانهزم من الشام ودخل أقصى بلاده، فافتتح المسلمون بلاده" الشامية كلها وما والاها، "واستقر للمسلمين ولله الحمد" وإنما بقي ملكه في غيرها، لأنه قبل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأجله، وكاد أن يسلم. انتهى.
قال الشافعي: وسبب الحديث أن قريشا كانوا يأتون الشام والعراق تجارا، فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهم لدخولهم في الإسلام فقال، النبي صلى الله عليه وسلم لهم ذلك تطييبا لقلوبهم، وتبشيرا لهم، بأن ملكهما سيزول عن الإقليمين المذكورين.
وقال الخطابي: معناه: فلا قيصر بعده يملك مثل ما ملك، وذلك أنه كان بالشام وبها بيت المقدس الذي لا يتم للنصارى نسك إلا به، ولا يملك على الروم أحد إلا إذا كان دخله إما سرا وإما جهرا فانجلى عنها قيصر، واستفتحت خزائنه، ولم يخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعده.
"وقد وقع ذلك في خلافة سيدنا عمر كما قدمته" وعاش قيصر إلى سنة عشرين على الصحيح، وقيل مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والذي حارب المسلمين بالشام ولده، ولقبه أيضا قيصر وأما كسرى بن هرمز الذي كتب إليه صلى الله عليه وسلم، فهلك في زمنه وتولى ابنه شيرويه، ثم هلك عن قرب، فأمروا عليهم بنته توران، فقال صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". "وقال عليه الصلاة والسلام" كما رواه البيهقي "لسراقة" المدلجي، الذي تعرض له ليرده عن الهجرة، فساخت قوائم فرسه، فطلب الأمان: "كيف بك" جواب عما أبهم من الأحوال، وهو استخبار يتضمن التعجب من حاله التي هو عليها، لأن كل أحد لا ينفك عن حال من الأحوال إذا طرأ عليه ما لم يعهد مثله ونال ما لم ينال أمثاله، فكني عنه بما ذكر، وفيه من البلاغة ما لا يخفى "إذا لبست" أي وضعت ساعديك "سواري كسرى"، "مثنى سوار بضم السين وكسرها" ومثل هذا يسمى لبسا في اللغة، "فلما أتى بهما عمر ألبسهما إياه" أي سراقة تحقيقا للمعجزة، وهذا جاء على القلب، والأصل ألبسه إياهما، "وقال" عمر: "الحمد لله" على تصديق كلمة النبوة وإعزاز دينه

الصفحة 129