كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

نظر إلى معتركهم فقال: "أخذ الراية زيد بن حارثة حتى استشهد". فصلى عليه, ثم قال: "استغفروا له, ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب حتى استشهد". فصلى عليه، ثم قال: "استغفروا لأخيكم جعفر، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فاستشهد". فصلى عليه، ثم قال: "استغفروا لأخيكم". فأخبر أصحابه بقتلهم في الساعة التي قتلوا فيها، ومؤته دون دمشق بأرض البلقاء.
وعن أسماء بنت عميس قالت: دخل رسول الله عليه الصلاة والسلام صبيحة اليوم الذي قتل فيه جعفر وأصحابه فقال: "يا أسماء! أين بنو جعفر"؟. فجئت بهم، فضمهم وشمهم ثم ذرفت عيناه بالدموع فبكى، فقلت: يا رسول الله! أبلغك
__________
كذلك، "فلم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم" بعد، فإنه اعتمر في سنة فصدوه، ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها، فغزاهم وفتح مكة، "وبعث صلى الله عليه وسلم جيشا" عدته ثلاثة آلاف "إلى مؤتة"، "بضم الميم وسكون الواو بغير همز عند الأكثر، وعند الأقل بالهمز"، "وأمر عليهم زيد بن حارثة" حبه ومولاه أبا أسامة، "ثم قال: "فإن أصيب" أي قتل "فجعفر بن أبي طالب" أميرهم، "فإن أصيب فعبد الله بن رواحة الأمير، فإن أصيب فليرتض المسلمون برجل من بينهم يجعلونه عليهم". كما هو بقية الحديث، "فلما التقى المسلمون بمؤتة جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، فكشف له حتى نظر إلى معتركهم"، "بضم الميم وفتح الراء" موضع العراك والمعاركة، أي: القتال، وفي نسخة: معركتهم، "فقال: "أخذ الراية زيد بن حارثة" أي حملها على العادة أن حاملها الأمير، وقد يدفعها لمقدم عسكره وإلا فهي معه من حين دفعها له صلى الله عليه وسلم بالمدينة، كما قدم المصنف، أنه عقد لواء أبيض، ودفعه إلى زيد "حتى استشهد" طعنا بالرماح، "فصلى عليه" أي دعا له، "ثم قال": "استغفروا له، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب" فقاتل على فرسه فأحاط به القتال، فنزل عنها وقاتل "حتى استشهد" بضربة رجل من النصارى، فقطعه نصفين "فصلى عليه" دعا له "ثم قال": "استغفروا لأخيكم جعفر، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة، فاستشهد". "فصلى عليه" دعا له، فليس المراد صلاة الجنازة، إذ هم شهداء معركة، "ثم قال": "استغفروا لأخيكم". "فأخبر أصحابه بقتلهم في الساعة التي قتلوا فيها، ومؤتة دون دمشق بأرض البلقاء"، "بفتح الموحدة وسكون اللام وبالقاف والمد" مدينة معروفة هناك.
قال عياض: وبينه عليه السلام وبينهم مسيرة شهر أو أزيد، واعترض بأن بين المدينة ومؤتة نحو عشر مراحل يعرف ذلك من سلك طريقها، لكنه لم يعرفه لبعد بلاده، ورد بأنه يقتضي أنه قاله من عند نفسه بلا ثبت وليس كذلك، فإنه يختلف باختلاف الأحوال، كالماشي، وسير الجمال بأحمالها بخلاف الفرسان، وبطول الأيام وقصرها.

الصفحة 131