كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

بي". فعاشت بعده ثمانية أشهر، وقيل: ستة أشهر.
وقوله عليه الصلاة والسلام لنسائه: "أسرعكن بي لحاقا، أطولكن يدا". فكانت
__________
فقال صلى الله عليه وسلم: "البر"، "بالكسر" أي الفعل المرضي الذي هو في تزكية النفس كالبر "بالضم" في تغذية البدن، والحصر مجازي، فالمراد معظم البر "ما استقر" أي ثبت "في الصدر" المحتوي على القلب "واطمأن إليه القلب" لأنه سبحانه فطر عباده على الميل إلى الحق والسكون إليه، وركز في طبعهم حبه.
قال عياض: البر مشترك بين الصلة والصدق واللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة، وهذه يجمعها حسن الخلق، أي يستلزمها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث النواس: "البر حسن الخلق". "والشك ما لم يستقر" يثبت ويرسخ "في الصدر" بل تحرك وخطر، ولم يمازج نور القلب ولم يطمئن إليه، "فدع" أترك "ما يريبك إلى ما لا يريبك". "بفتح الياء وضمها فيهما، والفتح أكثر" رواية: وأفصح، أي أترك ما اعترض لك الشك فيه منقلبا إلى ما شك فيه، فإذا شككت في كون الشيء حسنا أو قبيحا أو حلالا أو حراما فاركه، واعدل إلى ما تيقنت حسنه وحله والأمر للندب، لأن اتقاء الشبهات مستحب لا واجب على الأصح، لحديث: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه". "وإن أفتاك المفتون"، أي جعلوا لك رخصة، وذلك لأن على قلب المؤمن نورا يتقد، فإذا ورد عليه الحق التقى هو ونور القلب فامتزجا وائتلفا، فاطمأن القلب وهش، وإذا ورد عليه الباطل نفر نور القلب، ولم يمازجه، فاضطرب القلب.
قال القرطبي: وإنما أحاله في الجواب على هذا الإدراك القلبي، لعلمه بجودة فهمه وتنوير قلبه، كما في الحديث الآخر: "العلم حزار القلوب"، أي القلوب المنشرحة للإيمان، المستضيئة بنور العلم، التي قال فيها مالك: العلم نور يضعه الله حيث شاء، وهذا الجواب لا يحسن لغليظ الطبع يعيد الفهم، وإنما يحسن أن يجاب، بأن يفسر له الأوامر والنواهي وأحكام الشرع.
وقال غيره: الكلام في نفوس ماتت منها الشهوات وزالت عنها حجب الظلمات، لا في النفوس المرتكبة في الكدورات المحفوظة بحجب اللذات، فإنها تطمئن إلى الشك والجهل، أو تسكن إليه وتستقر فيها، فليس لأهل التخليط من هذه العلامات شيء لأن الحق لا يثبت إلا في قلوب طاهرة، وكذا الحكمة واليقين، ونحو هذا السؤال سأله وابصة بن معبد، وأخبره صلى الله عليه وسلم بما جاء يسأل عنه.
أيضا أخرج أحمد والدارمي وغيرهما عن وابصة بن معبد أنه جاء يتخطى الناس حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا وابصة تحدثني بما جئت له أو أحدثك"؟، قال: بل أنت يا رسول الله، فهو أحب إليّ، قال: "جئت تسأل عن البر والإثم"، قلت: نعم، قال: "استفت نفسك، البر ما

الصفحة 136