كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

من تناول ما تكرهه الطبيعة وتدفعه من الدواء, ولهذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم صهيبا وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة وعلم أنها لا تضره. ففي هذا الحديث -يعني حديث صهيب- سر طبي لطيف، فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق وكان فيه ضرر ما، كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه وإن كان نافعا في نفسه. فإن صدق شهوته ومحبة الطبيعة له تدفع ضرره، وكذلك العكس.
__________
تتلقيانه بالقبول" "بفتح القاف وضمها لغة" "والمحبة، فيصلحان ما يخشى من ضرره، وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه الطبيعة وتدفعه من الدواء" وهذا معلوم بالمشاهدة، "ولهذ أقر النبي صلى الله عليه وسلم صهيبا، وهو أرمد على تناول", أي: أكل "التمرات اليسيرة، وعلم أنها لا تضره" لاشتداد شهوته إليها.
"ففي هذا الحديث يعني حديث صهيب سر طبي لطيف، فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق، وكان فيه ضرر ما، أي: قليل، "كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه، وإن كان نافعا في نفسه، فإن صدق شهوته ومحبة الطبيعة له تدفع ضرره، وكذلك بالعكس" وبهذا التوجيه الوجيه علم أنه لا حاجة إلى قول من قال: "هذا مبني على التوكل، وأنه تعالى هو الشافي، وقد روى ابن ماجه عن ابن عباس، قال: عاد النبي صلى الله عليه وسلم رجلا، فقال: "ما تشتهي"، قال: خبز بر، فقال: "من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه" ثم قال: "إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه".
"ذكر حمية المريض من الماء":
عن قتادة بن النعمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الله العبد حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء". قال الترمذي: حديث حسن غريب.
__________
ذكر حمية المريض من الماء:
"عن قتادة بن النعمان" بن زيد بن عامر الأنصاري الظفري "بمعجمة وفاء مفتوحتين"، شهد بدرا ومات سنة ثلاث وعشرين على الصحيح، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال: "إذا أحب الله العبد" , وفي رواية: "عبدا" بالتنكير "أحماه" وفي رواية: "حماه" بدون ألف، أي منعه "الدنيا" أي حال بينه وبين شهواتها، ووقاه أن يتلوث بزهرتها؛ لئلا يمرض قلبه بداء محبتها وممارستها، ويألفها ويكره الآخرة، "كما يظل" أي يستمر "أحدكم يحمي" يمنع "سقيمه الماء" أي شربه إذا كان يضره، فهو سبحانه يزوي الدنيا عمن أحبه حتى لا يتدنس بها وبقذارتها، ولا يشرق بغصصها، كيف وهي للكبار مؤذية، وللخواص داعية، وللعارفين شاغلة، وللمريدين حائلة، ولعامة

الصفحة 15