كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

رأس الإناء منسدا لتنجس الحرارة، وفي شرح المهذب أنها شرعية يثاب تاركها وقال في شرح التنبيه: إن اعتبرنا القصد فشرعية وإلا فإرشادية، وإذا قلنا بالكراهة فكراهة تنزيه لا تمنع صحة الطهارة. وقال الطبري: إن خاف الأذى حرم، وقال ابن عبد السلام: لو لم يجد غيره وجب استعماله، واختار النووي في الروضة عدم الكراهة مطلقا، وحكاه الروياني في البحر عن النص.
__________
من أجزاء الإناء المورثة للبرص باقية، ورد بأن محل كونها تورثه إذا استعمل حارا، فإن زالت فلا قوة لها على الوصول للمسام، فلا يخاف منها تولد برص، كما شهدت بذلك قواعد الطب أنه إذا برد زال ضرره "واشترط صاحب التهذيب، كما قاله الجبلي" "بجيم وتحتية" "أن يكون رأس الإناء" أي أعلاه وفمه "منسدا" أي مغطى "لتنحبس الحرارة" فإن كان مكشوفا لم يكره لعدم انحباسها، والراجح عدم اشتراط ذلك، بل قال في نهاية المحتاج: يكره إذا كان الإناء مغطى حيث أثرت فيه الشمس السخونة، بحيث تنفصل من الإناء أجزاء سمية تؤثر في البدن، لا مجرد انتقاله من حالة إلى أخرى، وإن كان المكشوف أشد كراهة لشدة تأثيرها فيه.
"وفي شرح المهذب" للنووي نقلا عن الأصحاب. ورجحه: "أنها" أي كراهة المشمس "شرعية يثاب تاركها" ولا يعاقب فاعلها، خلافا لما اختاره ابن الصلاح، تبعا للغزالي أنها إرشادية لمصلحة دنيوية، لا يتعلق بتركها الثواب، كالأمر بالإشهاد عند التبايع.
"وقال" النووي "في شرح التنبيه: إن اعتبرنا القصد", أي إن قصد تارك امتثال نهي الشارع "فشرعية، وإلا" يقصد ذلك، بل خاف ضرره، "فإرشادية" لا ثواب فيها، قال السبكي: التحقيق إن فاعل الإرشاد لمجرد غرضه لا يثاب، ولمجرد الامتثال يثاب، ولهما يثاب ثوابا أنقص من ثواب من محض قصد الامتثال، "وإذا قلنا بالكراهة، فكراهة تنزيه لا تمنع صحة الطهارة" بل تصح به اتفاقا، لأن كراهته ليست ذاتية.
"وقال الطبري: إن خاف الأذى" منه بتجربة من نفسه، أو إخبار طبيب عارف "حرم" عليه استعماله.
"وقال" عز الدين "بن عبد السلام: لو لم يجد غيره وجب استعماله"؛ لأنه قادر على طهور بيقين، وضرر استعماله غير محقق ولا مظنون، إلا في جنسه على ندور، فلا يباح له التيمم مع وجوده إلا لخوف ضرر، كالتيمم فيجوز.
"واختار النووي في الروضة" من حيث الدليل لا المذهب "عدم الكراهة مطلقا" وإن وجدت فيه الشروط، وقال في تنقيحه: إنه الأصح، وفي مجموعه: إن الصواب الموافق للدليل، ولنص الأم حيث قال فيها: لا أكرهه إلا أن يكون من جهة الطب.
قال الرافعي: أي أكرهه شرعا حيث يقتضي الطب محذور فيه، "وحكاه الروياني في البحر عن النص", أي نص الإمام الشافعي، وإليه ذهب أكثر العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة، لكن اختار المتأخرون من المالكية، كالقاضي سند كراهته بالشروط، وأنها شرعية, والله أعلم.

الصفحة 18