كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

وفي رواية أبي داود: "فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كله".
وفي رواية الطحاوي: "فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء".
وفي قوله: "كله" رفع توهم المجاز في الاكتفاء بالبعض.
قال شيخ شيوخنا: لم يقع لي في شيء من الطرق تعيين الجناح الذي فيه الشفاء من غيره. لكن ذكر بعض العلماء أنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الأيسر، فعرف أن الأيمن هو الذي فيه الشفاء.
__________
الجر، ففيه شاهد لمن يجيز العطف على معمولي عاملين، كالأخفش، وقد استبان لك أن هذا الحديث رواه البخاري في الطب، باللفظ الذي ساقه المصنف، وكذا رواه ابن ماجه في الطب، ورواه البخاري أيضا قبل ذلك في بدء الخلق بتغيير قليل في اللفظ علمته.
وفي رواية أبي داود: "فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء، فليغمسه كله"، زاد في رواية البزار: برجال ثقات ثلاثا مع قول بسم الله.
وفي رواية الطحاوي: "فإنه يقدم السم" أي الجناح الذي فيه السم فيضعه في الإناء، "ويؤخر الشفاء" أي جناحه فلا يضعه.
"وفي قوله: "كله" رفع توهم المجاز في الاكتفاء بالبعض" أي يغمس بعضه.
"قال شيخ شيوخنا" الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "لم يقع لي في شيء من الطرق" للحديث "تعيين الجناح الذي فيه الشفاء من غيره، لكن ذكر بعض العلماء" يعني الدميري، فإنه ذكر في حياة الحيوان "أنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الأيسر", وهو مناسب للداء، كما أن الأيمن مناسب للشفاء، هذا كلام الدميري، "فعرف أن الأيمن هو الذي فيه الشفاء" حقيقة، فأمر الشارع، بمقابلة السمية بالشفاء، ولا بعد في حكمة الله أن يجعلهما جزئي واحد، كالعقرب بأبرتها السم، ويتداوى منه بجرمها، فلا ضرورة للعدول عن الحقيقة هنا وجعله مجازا، كما وقع لبعضهم، حيث جعله من الطب الروحاني بمعنى إصلاح الأخلاق وتقويم الطباع، بإخراج فاسدها وتبقية صالحها.
قال التوربشتي: وجدنا لهذا الحديث فيما أقامه الله لنا من عجائب خلقته وبديع فطرته شواهد ونظائر، منها: النحلة يخرج من بطنها شراب نافع، وبث في إبرتها السم الناقع، والعقرب تهيج الداء بإبرتها، ويتداوى من ذلك بجرمها، وأما اتقاؤه بالجناح الذي فيه الداء، فإنه تعالى ألهم الحيوان بطبعه ما هو أعجب منه، فلينظر المتعجب من ذلك إلى النملة كيف تسعى في جمع القوت، وتصون الحب عن الندى، وتجفف الحب إذا أثر فيه الندى، ثم تقطع الحب لئلا ينبت

الصفحة 22