كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غطوا الإناء، وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا ينزل فيه من ذلك الوباء". رواه مسلم في صحيحه قيل: وذلك في آخر شهور السنة الرومية.
__________
الحيوان أيضا حدث يحيى بن معاذ أن أبا جعفر المنصور ألح على وجهه ذباب حتى أضجره، فقال: انظروا من بالباب، قالوا: مقاتل بن سليمان، فقال: عليّ به، فلما دخل عليه، قال: هل تعلم لماذا خلق الله الذباب؟ قال: نعم ليذب به الجبابرة. انتهى.
وأبو جعفر ثاني خلفاء بني العباس، والمأمون سابعهم، وفي الشفاء لابن سبع وتاريخ ابن النجار مسندا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقع على جسده ذباب أصلا، ومر في الخصائص. ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بالحمية من الوباء النازل في الإناء بالليل بتغطيته أي ستره، "عن جابر" بن عبد الله الأنصاري، "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم": "غطوا الإناء" أي استروه، والأمر للندب، "وأوكوا" بفتح الهمزة وسكون الواو وضم الكاف بلا همز، أي شدوا واربطوا "السقاء"، "بكسر السين والمد" القربة، أي شدوا رأسها بالوكاء، وهو الخيط مع ذكر اسم الله تعالى في الخصلتين، كما صرح به في رواية أخرى, فاسم الله هو السور الطويل العريض، والحجاب الغليظ المنيع من كل سوء.
قال القرطبي: هذا الباب من الإرشاد إلى المصلحة الدنيوية، نحو: أشهدوا إذا تبايعتم وليس للأمر الذي قصد به الإيجاب، وغايته أن يكون من باب الندب، بل جعله جمع من أهل الأصول قسما منفردا عن الوجوب والندب، "فإن في السنة ليلة ينزل" من السماء "فيها وباء"، "بالمد والقصر" وهو أشهر مرض عظيم عام الله أعلم بحقيقته.
وفي رواية لمسلم أيضا: "يوما" مكان: "ليلة". ولا منافاة بينهما، إذ ليس في أحدهما نفي الآخر، فهما ثابتان، قاله النووي: "لا يمر بإناء ليس عليه غطاء"، "بالكسر والمد" أي ستر، وهو ما يغطي به، جمعه أغطية، "أو سقاء ليس عليه وكاء"، "بكسر الواو ممدود" أي خيط مربوط به وفي رواية: بإناء لم يغط، ولا سقاء لم يوك "إلا ينزل فيه من ذلك الوباء" وخص ذلك أبو حميد الصحابي بالليل، وقوفا مع ظاهر قوله: "ليلة" لكن قال النووي: ليس في الحديث ما يدل عليه، والمختار عند أكثر الأصوليين، وهو مذهب الشافعي وغيره، أن تفسير الصحابي إذا كان خلاف ظاهر اللفظ ليس بحجة، ولا يلزم غيره من المجتهدين موافقته على تفسيره أما إذا لم يكن في ظاهر اللفظ ما يخالفه، بأن كان مجملا، فيرجع إلى تأويله، ويجب الحمل عليه، لأنه لا يحل حمل المحمل على شيء إلا بتوقيف. انتهى.
وإنما يحسن الرد عليه برواية "يوما" المفيدة مع رواية "ليلة"، أنه يغطي ليلا ونهارا، وإلا فظاهر "ليلة" لا يخالفه، ولعله لم يسمع "يوما".
"رواه مسلم في صحيحه" في الأشربة، "قيل: وذلك في آخر شهور السنة الرومية" وفي مسلم قال الليث: فالأعاجم عندنا يتقون ذلك في كانون الأول، قال النووي: أي يحذرونه ويخافونه وكانون غير مصروف، لأنه علم أعجمي، وهو الشهر المعروف. انتهى. قال غيره: والظاهر أنه في أواخره إما في السابع والعشرين، أو التاسع والعشرين، وأوله خامس كيهك من الشهور القبطية.

الصفحة 24