كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

يرى نفسه بهيمة أو طائرا مثلا، وليس هذا إدراكا، فوجب أن يكون اعتقادا، لأن الاعتقاد قد يكون على خلاف المعتقد.
قال ابن العربي: والأول أولى، والذي يكون من قبيل ما ذكره ابن الطيب من قبيل التنسل فالإدراك إنما يتعلق به لا بأصل الذات.
وقال المازري: كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا، وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة، لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالعقل، ولا يقوم عليها برهان، وهم لا يصدقون بالسمع، فاضطربت أقاويلهم، فمن ينتمي إلى الطب ينسب جميع الرؤايا إلى الأخلاط، فيقول: من غلب عليه البلغم رأى أنه يسبح في الماء ونحو ذلك لمناسبة الماء طبيعة البلغم، ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجو وهكذا إلى آخره. وهذا وإن جوزه العقل، وجاز أن يجري الله
__________
للقلب على معنى يتصور في نفسه، فذلك الربط عقد واعتقاد، وما ربط عليه القلب من المعاني معتقد، فتصور إنسان بصورته مثلا اعتقاد، والإنسان المتصور بأنه كذا معتقد.
"واحتج بأن الرائي قد يرى نفسه بهيمة أو طائرا مثلا، وليس هذا إدراكا، فوجب أن يكون اعتقادا، لأن الاعتقاد قد يكون على خلاف المعتقد" بخلاف الإدراك.
"قال ابن العربي: والأول أولى" لأن حقيقة الرؤيا تعلق الشيء بخصوص المرئي بذاته، أو بعلامة تدل عليه وذلك إنما يكون فيما لو رآه نفسه، أما إذا تصوره بغير صورته، فإنما هو مثال انتقش في ذهنه ليس حقيقة المرئي، "والذي يكون", أي يوجد "من قبيل ما ذكره ابن الطيب من قبيل التمثيل، فالإدراك إنما يتعلق به لا بأصل الذات" ولذا قالوا: التصورات لا يقع فيها الخطأ، فمن رأى شبحا من بعد فتصوره إنسانا، وليس هو كذلك، كانت الصورة الحاصلة في ذهنه صورة إنسان بلا شك، والخطأ إنما هو في الحكم على تلك الصورة بأنها إنسان، م أنها حجر أو شجر أو نحوهما.
"وقال المازري: كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا، وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة، لأنهم حاولا الوقوف على حقائق لا تدر بالعقل، ولا يقوم عليها برهان" دليل عقلي، "وهم لا يصدقون بالسمع، فاضطربت أقاويلهم" بسبب ذلك، "فمن ينتمي" ينتسب "إلى الطب" من غير الإسلاميين "ينسب جميع الرؤيا إلى الأخلاط" الأمزجة الأربعة، فيستدل بالرؤيا على الخلط، "فيقول: من غلب عليه البلغم رأى أنه يسبح" يعوم "في الماء ونحو ذلك، لمناسبة طبيعة البلغم،" إذ كل منهما بارد رطب، "ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجو" وشبهه لمناسبة الصفراء في أن كلا منهما حار يابس، ولأن

الصفحة 30