كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

بكل طريق، فيلبس عليه رؤياه إما بتغليظه فيها أو بغفلته عنها.
وفي البخاري عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة".
والمراد غالب رؤيا الصالحين، وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث، ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم، بخلاف عكسهم، فإن الصدق فيها نادر لغلبة تسلط الشيطان عليهم.
وقد استشكل كون الرؤيا جزءا من النبوة، مع أن النبوة قد انقطعت بموته صلى الله عليه وسلم.
وأجيب: بأن الرؤيا إن وقعت منه صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة، وإن وقعت من غير النبي فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز.
__________
"بكل وجه" يقدر عليه، "ويريد إفساد أموره بكل طريق، فيلبس" "بكسر الباء" يخلط "عليه رؤياه، إما بتغليطه فيها، أو بغفلته عنها" رأسا.
"وفي البخاري" من طريق مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، "عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الرؤيا الحسنة" أي الصادقة، أو المبشرة احتمالان للباجي "من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة".
قال ابن عبد البر: مفهومه أنها من غير الصالح لا يقطع بأنها كذلك، ويحتمل أنه خرج على جواب سائل، فلا مفهوم له، ويؤيده رواية: "يراها الرجل الصالح، أو ترى له"، فعم قوله: "أو ترى له" الصالح وغيره، "والمراد غالب رؤيا الصالحين، وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث" أي الأحلام الباطلة، جمع ضغث مبالغة في وصف الحلم بالبطلان، أو لتضمنه أشياء مختلفة، "ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم، بخلاف عكسهم"، أي: مخالفهم وهم الفسقة، "فإن الصدق فيها نادر لغلبة تسلط الشيطان عليهم".
زاد في شرح البخاري: وحينئذ فالناس على ثلاثة أقسام: الأنبياء ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيا ما يحتاج إلى تعبير, والصالحون والغالب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير، ومن عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث، وهم ثلاثة مستورون، فالغالب استواء الحال في حقهم, وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث، ويقل فيها الصدق, وكفار ويندر فيا الصدق جدا، قاله المهلب، كما في الفتح.
"وقد استشكل كون الرؤيا جزءا من النبوة مع أن النبوة، قد انقطعت بموته صلى الله عليه وسلم وأجيب بأن الرؤيا إن وقعت منه صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة، وإن وقعت من غير النبي،

الصفحة 34