كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

وقيل: المعنى أنها جزء من علم النبوة، لأن النبوة وإن انقطعت فعلمها باق.
وتعقب بقول مالك -كما حكاه ابن عبد البر- أنه سئل: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يلعب؟ ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة.
وأجيب: بأنه لم يرد أنها نبوة باقية، وإنما أراد أنها أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بغير علم، فليس المراد أن الرؤيا الصالحة نبوة، لأن المراد تشبيه الرؤيا بالنبوة، وجزء الشيء لا يسلتزم ثبوت وصفه، كمن قال: أشهد أن لا إله إلا الله رافعا صوته لا يسمى مؤذنا، وفي حديث أم كرز الكعبية عند أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان قال: ذهبت النبوة وبقيت المبشرات. وعند أحمد من حديث عائشة مرفوعا: "لم يبق بعدي من المبشرات
__________
فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز" لا الحقيقة، فإن جزء النبوة لا يكون نبوة، كما أن جزء الصلاة لا يكون صلاة، "وقيل: المعنى أنها جزء من علم النبوة، لأن النبوة وإن انقطعت، فعلمها باق" "بفتح العين واللام" أي علاماتها كالمعجزات الدالة على نبوته عليه الصلاة والسلام، كذا ضبطه شيخنا، ولا يتعين، فيصح أن يكون بكسر فسكون مفرد علوم، إذ لا شك أن علومها باقية.
"وتعقب بقول مالك كما حكاه ابن عبد البر أنه سئل: أيعبر" يفسر "الرؤيا كل أحد، فقال: أبالنبوة يلعب؟ ثم قال" مالك "الرؤيا جزء من النبوة" فظاهره أن المراد جزء من حقيقة النبوة.
"وأجيب بأنه لم يرد أنها نبوة باقية" حقيقة، "وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب، لا ينبغي" لا يصح "أن يتكلم فيها بغير علم" لأنه إفتاء بالجهل عن أمر مغيب وهو حرام، "فليس المراد أن الرؤيا الصالحة نبوة" من جهة الاطلاع على الغيوب، "لأن المراد تشبيه الرؤيا بالنبوة، وجزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه" له، "كمن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، رافعا صوته" بها، "لا يسمى مؤذنا" شرعا ولا عرفا، ولا يقال: إنه أذن، وإن كان جزءا من الأذان، وكذا لو قرأ يئا من القرآن وهو قائم لا يسمى مصليا، وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة.
"وفي حديث أم كرز" "بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي" "الكعبية" المكية، صحابية، لها أحاديث "عند أحمد" وابن ماجه، "وصححه ابن خزيمة وابن حبان" عن النبي صلى الله عليه وسلم "قال: ذهبت النبوة،" أي انقطع الوحي بموتي، "وبقيت المبشرات" بكسر الشين المعجمة

الصفحة 35