كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أصدق الرؤيا بالأسحار". رواه الترمذي
__________
كما جزم به ابن إسحاق وغيره، وذلك في ربيع الأول، ونزول جبريل إليه وهو بغار حراء كان في رمضان وبينهما ستة أشهر، وفي هذا الجواب نظر؛ لأنه على تقدير تسليمه ليس فيه تصريح بالرؤيا.
وقد قال النووي، أي تبعا لغيره: إن زمن الرؤيا للنبي صلى الله عليه وسلم كان ستة أشهر وأما ما ألزمه به من تلفيق أوقات المرائي وضمها إلى المدة فأجيب عنه بأن المراد وحي المنام المتتابع، وأما ما وقع منه في غضون وحي اليقظة، فهو يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة، فهو مغمور في جانب وحي اليقظة، فلم يعتبر بمدته، وهو نظير ما اعتمدوه في نزول الوحي، وقد أطبقوا على تقسيم النزول إلى مكي ومدني فقط، فالمكي ما نزل قبل الهجرة، ولو وقع بغير مكة، كالطائف ونخلة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، ولو وقع بغير المدينة، كما في الغزوات وسفر الحج والعمرة حتى مكة، وهو اعتذار مقبول.
"وقد ذكروا في المناسبات غير ذلك مما يطول ذكره" لا سيما وكله متعقب، ومنها: أن هذه التجزئة في طرق الوحي، إذ منه ما سمع من الله بلا واسطة والملك والإلهام والمنام وصلصلة الجرس، وقد عدها الحليمي ستا وأربعين، فتعسف وتكلف.
وقال الإمام الغزالي: لا يظن أن تقدير النبي صلى الل عليه وسلم يجري على لسانه كيف اتفق، بل لا ينطبق إلا بحقيقة الحق، فقوله: ستة وأربعين جزءا من النبوة تقدير محقق، لكن ليس في قوة غيره أن يعرف علة تلك النسبة إلا بتخمين؛ لأن النبوة عبارة عما يختص به النبي ويفارق به غيره، وهو مختص بأنواع من الخواص، كل واحد منها يمكن انقسامه إلى أقسام، بحيث يمكننا أن نقسمها إلى ستة وأربعين جزءا، بحيث تقع الرؤيا الصحيحة جزءا من جملتها، لكن لا يرجع إلا إلى الظن والتخمين، لا أنه الذي أراده صلى الله عليه وسلم حقيقة.
"وعن أبي سعيد" الخدري، "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أصدق الرؤيا بالأسحار" أواخر الليل على المشهور، لفضل الوقت بانتشار الرحمة فيه، ولراحة القلب البدن بالنوم قبل ذلك غالبا، وخروجهما عن تعب الخواطر وتواتر التصرفات، ومتى كان القلب أفرغ كان أوعى لما يلقى إليه؛ لأن الغالب حينئذ اجتماع الخواطر والدواعي؛ ولأن المعدة خالية غالبا، فلا يتصاعد منها الأبخرة المشوشة، ولا يعارضه خبر جابر، رفعه: "أصدق الرؤيا ما كان نهارا، لأن الله عز وجل خصني بالوحي نهارا" , رواه الديلمي والحاكم في تاريخه بسنده ضعيف، لجواز أن رؤيا النهار أصدق من رؤيا الليل ما عدا وقت السحر؛ لأن الخاص يقضي على العام، أو أن أصدق في كل من الحديثين على معنى من، وهذا أولى، لأن علماء التعبير قالوا: رؤيا الليل أصدق من رؤيا النهار، وأصدقها بالأسحار، "رواه الترمذي والدارمي" وابن حبان والبيهقي والحاكم، وقال: صحيح،

الصفحة 41