كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر". انتهى.
__________
تنبيه يدل على تحقق ما بعده، وتوكيده "مستغفر فأغفر له" ذنوبه فلا أعاقبه عليها، والظاهر أن المراد بالاستغفار المقرون بالتوبة المتوفرة الشروط، ولذا قيل: الاستغفار من غير إقلاع توبة الكذابين، وروى البيهقي مرفوعا: "المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه"، فإن لم يكن توبة فالمرجو من الله المغفرة إذا سألها العبد بخلوص رغبة وكسر قلب، كما أشار إلى ذلك الغزالي، بقوله: الاستغفار الذي هو توبة الكذابين هو الاستغفار بمجرد اللسان بدون شركة القلب فيه، كما يقال بحكم العادة وعند الغفلة: أستغفر الله من غير تأثر قلبه، فإنه يرجع لمجرد حركة اللسان ولا جدوى له، فإن أضيف إليه تضرع القلب وابتهاله في طلب المغفرة بإخلاص فهو حسنة في نفسها تصلح لدفع السيئة، وعليه يحمل حديث: "ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة". ثم قال: بل الاستغفار باللسان فقط حسنة أيضا، إذ حركة اللسان عن غفلة خير من حركته في تلك الساعة بغيبة أو فضول، سيما في الليالي الفاضلة كليلة النصف، وإنما هو نقص بالإضافة إلى عمل القلب، ولذا لما قال بعضهم لأبي عثمان المغربي: لساني يجري بالذكر والقرآن وقلبي غافل، قال له: أحمد الله الذي استعمل جارحة من جوارحك في ذكره، "ألا مسترزق" طالب رزق "فأرزقه" فإني أنا الكريم المتكفل بأرزاق العباد وفيه توبيخ على غفلة عن السؤال، لا سيما في مواطن الإجابة.
وفي الترمذي وغيره، مرفوعا أنه "من لم يسأل الله يغضب عليه". ولأبي يلى مرفوعا: "سلوا الله في كل شيء حتى الشسع، فإن الله إن لم ييسره لم يتيسر". "ألا مبتلى فأعافيه" من بلائه، خص هذه الثلاثة بالذكر، لأنها مدار كل مطلوب، أما على جلب الملائم وهو ديني أو دنيوي، وأشار بالاستغفار إلى الأول، وبطلب الرزق إلى الثاني، وأما على دفع ما لا يلائم، وإليه أشار بسؤال العافية وزاد قوله: "ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر" قصدا لمزيد التعمم، وإشارة إلى كثرة الجود والعطاء والإفضال والإنعام في تلك الليلة والإذن فيها بالدعاء بكل نافع في الدين أو الدنيا ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، كما في حديث: ومثلهما كل ما لا يجوز الدعاء به.
قال الزين العراقي: مزية ليلة نصف شعبان مع أن الله ينزل كل ليلة فيغفر لمن استغفر، ويعتق من النار من شاء أنه ذكر مع النزول فيها وصفا آخر، وهو أن يعتق من النار بعدد شعر غنم كلب، وليس ذلك في نزول كل ليلة، ولأن النزول كل ليلة موقت بشطر الليل أو ثلثه وفيها من الغروب، فحصلت المزية على تقدير صحة الحديث في باطن الأمر، وإلا فلا يصح شيء من طرقه. "انتهى".

الصفحة 562