كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

وأما قوله تعالى في سورة الدخان: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3] فالمراد بها إنزاله تعالى القرآن في ليلة القدر، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] وكان ذلك في شهر رمضان، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] .
قال الحافظ ابن كثير: ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان، كما روي عن عكرمة، فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان. وأما الحديث الذي
__________
"وأما قوله تعالى في سورة الدخان: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} ، فالمراد بها إنزاله تعالى القرآن في ليلة القدر، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ، الشرف والعظم، "وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} " من اللوح المحفوظ إلى الماء الدنيا.
"قال الحافظ ابن كثير: ومن قال: إنها" أي: الليلة المباركة "ليلة النصف من شعبان، كما روي" عند ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم "عن عكرمة" في قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] قال: في ليلة النصف من شعبان يبرم أمر السنة وينسخ الأحياء من الأموات ويكتب الحجاج، فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد، "فقد أبعد النجعة" "بضم فسكون"، أي: أغرب في القول حيث تكلم بكلام بعيد، وأصل الانتجاع الذهاب لطلب الكلام في موضعه، "فإن نص القرآن أنها" أي: الليلة المباركة "في رمضان" لقوله: في ليلة القدر مع قوله: الذي أنزل فيه القرآن ولذا قال الجمهور: الفرق إنما يكون في ليلة القدر، وروى الحاكم وصححه عن ابن عباس، قال: حتى إنك ترى الرجل يمشي في الأسواق، وقد وقع اسمه في الموتى، ثم قرأ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} إلى آخرها قال: يعني ليلة القدر ففي تلك الليلة يفرق أمر السنة إلى مثلها من قابل موقوف حكمه الرفع، لأنه لا يقال رأيا، فلا معدل عنه وتبع عكرمة شرذمة قليلة، وبالجملة فهو قول ضعيف جدا، بل قال ابن العربي وغيره: إنه باطل، وفي الكشاف قيل: أي جمعا بين القولين يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، أي نصف شعبان، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب والزلازل والصواعق والخسف إلى جبريل، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم ونسخة المصائب إلى ملك الموت. انتهى.
وروى البغوي عن ابن عباس، أنه قال: إن الله يقضي الأقضية ليلة النصف من شعبان، ثم يسلمها إلى الملائكة في ليلة القدر، وهذا إن صح يؤيد الجمع المذكور ويعكر على جمع بعضهم أن ابتداء ذلك يكون ليلة نصف شعبان وتمامه في ليلة القدر، ثم دفع ابن كثير عن نفسه

الصفحة 565