كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين.
فعن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
ولمسلم: قالت: كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي
__________
تسليمتين" من صلاتين وكل تسليمة من ركعتين.
قال الليث: قدر ما يصلي الرجل كذا وكذا ركعة، "فعن عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر" أي: عشر الليالي الأواخر، إما وحدها أو بأيامها، فغلب المؤنث على المذكور، ولذا حذفت الهاء، لكن لفظ الأواخر ليس في حديث عائشة، بل في حديث علي عند ابن أبي شيبة، كما صرح به المصنف كغيره بلفظ: العشر الأخير "من رمضان أحيا الليل" استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها، أو أحيا معظمه لقولها في الصحيح: ما علمته قام ليلة حتى الصباح، "وأيقظ أهله" للصلاة والعبادة، "وجد" اجتهد في العبادة زيادة على العادة، "وشد المئزر"، "بكسر الميم وسكون الهمزة" أي: إزاره، قيل: هو كناية عن شدة جده واجتهاده في العبادة، كما يقال: فلان يشد وسطه ويسعى في كذا، وفيه نظر، فإنها عطفت شد المئزر على الجد، وهو يقتضي التغاير، والصحيح أن المراد به اعتزال النساء، وبهذا فسره السلف والأئمة المتقدمون، وجزم به عبد الرزاق عن الثوري، واستشهد بقول الشاعر:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... عن النساء ولو باتت بأطهار
ويحتمل أن يراد الاعتزال والتشمير معا، فلا ينافي في شد المئزر حقيقة، ولابن أبي عاصم بإسناد مقارب عن عائشة: كان صلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شد المئزر واجتنب النساء وللطبراني عن أنس: كان إذا دخل العشر الأواخر من رمضان طوى فرشه واعتزل النساء، "رواه البخاري" في الصوم، لكن بلفظ: كان إذا دخل العشر الأواخر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله، قال المصنف: من باب الاستعارة شبه القيام فيه بالحياة في حصول الانتفاع التام، أي: أحيا ليله بالطاعة، أو أحيا نفسه بسهره فيه، لأن النوم أخو الموت وأضافه إلى الليل اتساعا، لأن النائم إذا حيي باليقظة حيي ليله بحياته، "ومسلم" في الصوم واللفظ له، "وأبو داود والنسائي" في الصلاة وابن ماجه في الصوم، "ولمسلم" عن عائشة، "قالت: كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان" في أنواع العبادات، فللبيهقي، عنها: كان إذا دخل رمضان تغير لونه وكثرت صلاته وابتهل في الدعاء وانتسف لونه، ولابن سعد عنها، والبيهقي عن ابن عباس: كان إذا دخل رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل "ما لا يجتهد في غيره" من الشهور "و" يجتهد "في

الصفحة 567