كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

وفي رواية للبخاري ومسلم، أنه صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى بصلاته رجال، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم فخرج عليه الصلاة والسلام في الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كان في الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم صلى الله عليه وسلم، فطفق رجال منهم يقولون: أفلا يخرج إليهم، حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهد
__________
"وفي رواية البخاري ومسلم" عن عائشة "أنه صلى الله عليه وسلم خرج" من حجرته "من جوف الليل فصلى بصلاته رجال" مقتدين بها، "فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع" في الليلة الثانية "أكثر منهم" برفع أكثر فاعل اجتمع، "فخرج عليه الصلاة والسلام في الليلة الثانية، فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة، فخرج" صلى الله عليه وسلم، "فصلوا بصلاته" وفي لفظ: فصلى، فصلوا بصلاته، وفي آخر: فصُلي بصلاته، بضم الصاد مبني للمفعول وإسقاط فصلوا أيضا، "فلما كان في الليلة الرابعة عجز" أي: ضاق "المسجد عن أهله" ولأحمد: امتلأ المسجد حتى اغتص بأهله، وله أيضا: غص المسجد بأهله، "فلم يخرج إليهم صلى الله عليه وسلم فطفق رجال منهم يقولون: أفلا يخرج إليهم:" أي: إلى القوم الذين ينتظرونه، وكأنهم أرادوا غير أنفسهم، فلم يقولوا إلينا، أو هو التفات، ولأحمد: حتى سمعت ناسا منهم يقولون: الصلاة، وله أيضا فقالوا: ما شأنه، وفي حديث زيد بن ثابت: ففقدوا صوته وظنوا أنه قد تأخر، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم، وفي لفظ عن زيد: فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، رواهما البخاري.
قال ابن عبد البر تفسر هذه الليالي المذكورات في حديث عائشة بما رواه النعمان بن بشير، فذكر حديثه الآتي قريبا في المتن، ثم قال: وأما عدد ما صلى، ففي حديث ضعيف عن ابن عباس أنه صلى عشرين ركعة والوتر، أخرجه ابن أبي شيبة، وروى جابر أنه عليه الصلاة والسلام صلى بهم ثمان ركعات ثم أوتر، وهذا أصح.
وقال الحافظ: لم أر في شيء من طرق حديث عائشة بيان عدد صلاته في تلك الليالي، لكن روى ابن خزيمة وابن حبان عن جابر: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ثم أوتر، فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا حتى أصبحنا، ثم دخلنا فقلنا: يا رسول الله الحديث، فإن كانت القصة واحدة احتمل أن جابرا ممن جاء في الليلة التالية، فلذا اقتصر على وصف ليلتين "حتى خرج لصلاة الفجر" أي: الصبح، "فلما قضى الفجر" أي: أتم صلاته "أقبل على الناس" بوجهه الوجيه "ثم تشهد" في صدر الخطبة، "فقال: "أما بعد، فإنه

الصفحة 569