كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

وقيل: خشي أن يظن أحد من الأمة من مداومته عليها الوجوب، قال القرطبي: أي يظنونه فرضا، فيجب على من ظن ذلك، كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو تحريمه فإنه يجب عليه العمل به.
وقد استشكل الخطابي أصل هذه الخشية، مع ما ثبت في حديث الإسراء، من أن الله تعالى قال: هن خمس وهم خمسون لا يبدل القول لدي، فإذا أمن التبديل كيف يقع الخوف من الزيادة، وهذا يدفع في صدور الأجوبة المتقدمة.
وأجاب عنه الخطابي: بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم، وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به فيها -يعني عند المواظبة- فترك الخروج إليهم لئلا يدخل ذلك في الواجب من طريق الأمر بالاقتداء به، لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس، وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر، فتجب
__________
"وقيل:" وهو احتمال ثالث للباجي أيضا، "خشي أن يظن أحد من الأمة" بعده "من مداومته عليها الوجوب".
"قال القرطبي: أي يظنونه فرضا، فيجب على من ظن ذلك كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو تحريمه، فإنه يجب عليه العمل به" وهذا أقرب من الاحتمالين قبله.
"وقد استشكل الخطابي أصل هذه الخشية مع ما ثبت في حديث الإسراء من أن الله تعالى قال: هن خمس" في الفعل "وهن خمسون" في الثواب، "لا يبدل القول لدي، فإذا أمن التبديل كيف يقع الخوف من الزيادة" إذ لو وقعت كانت تبديلا وهو محال، "وهذا يدفع في صدور الأجوبة المتقدمة" أي: يرد به عليها، فتسقط شبه الأجوبة بأناس لها صدور إذا قوبلت بأقوى منها سقطت، لكن المذكور هنا جوابان فقط، والحافظ إنما ذكر هذا بعد ذكرهما، وذكر الاحتمال الذي زدته عن الباجي، وبعد ذكر قول ابن بطال: يحتمل أن هذا القول صدر منه صلى الله عليه وسلم لما كان قيام الليل فرضا عليه دون أمته، فخشي إن خرج إليهم والتزموه معه أن يسوي بينهم وبينه في حكمه، لأن أصل الشرع المساواة بين النبي وأمته في العبادة، ويحتمل أنه خشي من مواظبتهم عليها أن يضعفوا عنها فيعصي تاركها بترك اتباعه صلى الله عليه وسلم، فهذه خمسة أجوبة، قال الحافظ: بعد ذكرها وجوابي الخطابي الآتيين وذكر الحديث الإلهي وهذا يدفع في صدور هذه الأجوبة كلها، "وأجاب عنه" أي الإشكال "الخطابي بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم، وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به فيها يعني: عند المواظبة" لا مطلقا، "فترك الخروج إليهم لئلا يدخل ذلك في الواجب من طريق الأمر بالاقتداء به" في القرآن "لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس وهذا كما يوجب المرء على

الصفحة 571