كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

عمر: إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أجمع، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرج ليلة أخرى فإذا الناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله.
__________
الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط" ما بين ثلاثة إلى عشرة، وهذا بيان لما أجمله أولا بقوله: أوزاع "فقال عمر" والله "إني لأرى" من الرأي "لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أجمع" لفظ الموطأ: لكان أمثل، أي: لأنه أنشط لكثير من المصلين ولما في الاختلاف من افتراق الكلمة، "ثم عزم" صمم على ما رآه، "فجمعهم على أبي بن كعب" أي: جعله إماما لهم.
قال الباجي وابن التين وغيرهما: استنبط عمر ذلك من تقريره صلى الله عليه وسلم: من صلى معه تلك الليالي وإنما كره لهم ذلك خشية أن تفرض عليهم، فلما مات صلى الله عليه وسلم أمن ذلك، وقال ابن عبد البر: إنما سن عمر رضي الله عنه ما رضيه صلى الله عليه وسلم ولم يمنعه من المواظبة عليه إلا خشية أن يفرض على أمته وكان بالمؤمنين رءوفا رحيما، فلما أمن ذلك عمر أقامها وأحياها في سنة أربع عشرة من الهجرة، "ثم خرج" لفظ الرواية عن عبد الرحمن ثم خرجت معه "ليلة أخرى، فإذا الناس يصلون بصلاة قارئهم" أي: إمامهم، قال ابن عبد البر: فيه أن عمر كان لا يصلي معهم إما لشغله بأمر النار وإما لانفراده بنفسه في الصلاة "فقال: نعمت البدعة هذه" قال الباجي: نعمت بالتاء على مذهب البصريين، لأن نعم فعل لا يتصل به إلا التاء وفي نسخ: نعمة بالهاء وذلك على أصول الكوفيين، وهذا تصريح منه بأنه أول من جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد، لأن البدعة ما ابتدأ بفعلها المبتدع ولم يتقدمه غيره، فابتدعه عمر تابعه الصحابة والناس إلى هلم جرا. انتهى.
وقال ابن عبد البر: وصفها بنعمت، لأن أصل ما فعله سنة، وإنما البدعة الممنوعة خلاف السنة انتهى. فسماها بدعة، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسن لها الاجتماع ولا كانت في زمن الصديق، وهي لغة ما أحدث على غير مثال سبق وتطلق شرعا على مقابل السنة، وهي ما لم يكن في العهد النبوي، ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة، وحديث: "كل بدعة ضلالة" عام مخصوص، وقد رغب فيها عمر بقوله: نعمت البدعة، وهي كلمة تجمع المحاسن كلها، كما أن بئس تجمع المساوئ كلها وإذا أجمع الصحابة على ذلك مع عمر زال عنه اسم البدعة "والتي تنامون" بفوقية، أي: الصلاة وتحتية، أي: الفرقة أو الجماعة التي ينامون "عنها أفضل من" الصلاة "التي تقومون" بفوقية وتحتية كسابقه "يريد آخر الليل" فهذا تصريح منه بأن الصلاة آخر الليل أفضل

الصفحة 577