كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

والذي ذكره قد يكون خارقا للعادة فيكون من باب الكرامة.
وقال العارف ابن أبي جمرة: تأول النبي صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم اعتبارا بما بين له أول الأمر حين أتى بقدح خمر وقدح لبن، فأخذ اللبن فقال له جبريل: أخذت الفطرة، انتهى.
وقد جاء في بعض الأحاديث المرفوعة تأويله بالفطرة، كما أخرجه البزار من حديث أبي هريرة رفعه: اللبن في المنام فطرة.
__________
يخلق المعرفة، وهي العلم المطابق للواقع فيمن أراد فيدركه ويجزم به.
وفي الفتح قال ابن العربي: اللبن رزق يخلقه الله طيبا بين أخباث من دم وفرث، كالعلم يظهره الله في ظلمة الجهل، فضرب به المثل في المنام، "وهو كما قال لكن اطردت العادة بأن العلم بالتعلم".
وفي حديث مرفوع: "وإنما العلم بالتعلم". "والذي ذكره قد يكون خارقا للعادة، فيكون من باب الكرامة" والمراد أن خلق المعرفة قد يكون العادة من تحصيله بالتعلم، فلا يكون كرامة، وقد يكون بإلهام من الله تعالى من غير تعب، وهو اللدني، فيكون كرامة لمن أوتيها، كما إليه الإشارة بقوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] .
"وقال العارف ابن أبي جمرة: تأول" عبر "النبي صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم، اعتبارا بما بين له أو الأمر حين أتى" في الإسراء "بقدح خمر وقدح لبن، فأخذ اللبن، فقال له جبريل: أخذت الفطرة. انتهى".
أي: الحق الذي أمر الله به من فعل الطاعات وترك المحرمات، وقيل غير ذلك مما سبق في المعراج.
وفي رواية: فقال له جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة، "وقد جاء في بضع الأحاديث المرفوعة تأويله بالفطرة" بكسر الفاء وسكون الطاء" زاد في الفتح والسنة والقرآن، "كما أخرجه البزار" بإسناد حسن "من حديث أبي هريرة رفعه: "اللبن في المنام فطرة" لأن العالم القدسي تصاغ فيه الصور من العالم الحسي لتدرك منه المعاني، ولما كان اللبن في عالم الحس من أول ما يحصل به التربية ويرشح به المولود، صيغ عنه مثال الفطرة الت بها تتم القوة الروحانية، وتنشأ عنها الخاصة الإنسانية، ذكره بعضهم.
وقيل: الفطرة هنا علم التوحيد لا غيره فهو الفطرة التي فطر الحق عليها عباده حتى أشهدهم حين قبضهم من ظهورهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} ، فشاهدوا الربوبية قبل كل شيء. انتهى.

الصفحة 65