كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

وقد ذكر الدينوري: أن اللبن المذكور في هذا يختص بلبن الإبل، وأنه لشاربه مال حلال وعلم، قال: ولبن البقر خصب السنة ومال حلال وفطرة أيضا، ولبن الشاة مال وسرور وصحة جسم، وألبان الوحش شك في الدين، وألبان السباع غير محمودة، إلا أن لبن اللبوة مال مع عداوة لذي أمر.
وفي الحديث: إن علم النبي صلى الله عليه وسلم بالله لا يبلغ أحد درجته فيه؛ لأنه شرب حتى أرى الري يخرج من أظفاره.
وأما إعطاؤه فضله لعمر، ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله بحيث كان لا تأخذه في الله لومة لائم، ووجه التعبير في الحديث بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع، وكونهما سببا للصلاح، فاللبن للغذاء البدني،
__________
"وقد ذكر الدينوري: أن اللبن المذكور في هذا" الحديث "يختص بلبن الإبل، وأنه لشاربه مال حلال وعلم، قال: ولبن البقر" عراب أو جواميس "خصب السنة ومال حلال وفطرة أيضا، ولبن الشاة" ضأن أو معز "مال وسرور وصحة جسم" وفي ألفية ابن الوردي قال:
وكل ما حل من الألبان ... مال حلال كالظبا والضأن
"وألبان الوحش" مما لا يتأنس من دواب البر "شك في الدين" للشارب إما حالا بأن يكون متلبسا بذلك حال الرؤيا، وإما استقبالا بأن يطرأ عليه بعد، "وألبان السباع"، "جمع سبع بضم الياء وتسكن" يطلق على كل ما له ناب ويفترس، فهو من جملة الوحوش، فشربها شك في الدين، فلعله خصه بالذكر إشارة إلى أن فيها مضرة دنيوية أيضا.
ولذا قال: "غير محمودة" لشاربها "إلا أن لبن اللبوة" أنثى الأسد "مال مع عدواة لذي أمر" أي صاحب حكم، "وفي الحديث" من الفوائد: "أن علم النبي صلى الله عليه وسلم بالله لا يبلغ أحد درجته فيه؛ لأنه شرب حتى أرى الري يخرج من أظفاره، وأما إعطاؤه فضله لعمر، ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله" والشدة في أمره، "بحيث كان لا تأخذه في الله لومة لائم" فلا يرفق في القيام بالحق، وأبو بكر، وإن كان لا يقر على باطل، لكنه كان يعامل بالرفق واللين، كما هو معلوم من سيرهما، وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: "أرأف أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر".
وتقدم أن وجه اختصاصه بذلك لطول مدة خلافته بالنسبة إلى أبي بكر، "ووجه التعبير في الحديث بذلك", أي: تعبير اللبن بالعلم "من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع" بهما، "وكونهما سببا للصلح فاللبن" جعل محصلا "للغذاء البدني" وهو إصلاحه، بما يتغذى به من

الصفحة 66