كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

فوضع في يدي سواران من ذهب، فكبر علي وأهماني، فأوحي إلي أن أنفخهما فنفختهما، فأولتهما بالكذابين اللذين أنا بينهما، صاحب صنعاء وصاحب اليمامة".
__________
عبد الرزاق، عن معمر، عن همام أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا" بغير ميم "أنا نائم إذ أتيت" قال الحافظ: كذا وجدته في نسخة معتمدة من طريق أبي ذر من الإتيان بمعنى المجيء، وبحذف الباء من "خزائن الأرض"، وهي مقدرة، وعند غيره: "أوتيت" بزيادة واو من الإيتاء بمعنى الإعطاء، ولا إشكال في حذف الباء على هذه الرواية، ولبعضهم كالأول، لكن بإثبات الباء، وهي رواية أحمد وإسحاق بن نصر، عن عبد الرزاق يعني عند البخاري في المغازي، "فوضع"، "بضم الواو مبني لما لم يسم فاعله "في يدي" وفي رواية: في كفي "سواران" بالتثنية رفع بالألف مفعول ناب عن فاعله، ولأبي ذر: فوضع "بفتح الواو مبنيا للفاعل"، أي وضع الآتي بخزائن الأرض في يدي سوارين، نصب بالياء على المفعولية، كذا في شرح المصنف، وكان الحافظ لم ير الرواية الأولى هنا، فعزاها لرواية البخاري في المغازي، عن شيخه إسحاق بن نصر، عن عبد الرزاق قال: ولا إشكال فيهما، وشرح ابن التين هنا على لفظ وضع بالضم، وسوارين بالنصب، وتكلف لتخريج ذلك "من ذهب" صفة للسوارين، "فكبر"، "بضم الموحدة والإفراد" أي عظم على شأنهما وثقل.
وفي رواية المغازي: كمسلم، فكبرا بالتثنية، أي عظما "علي وأهماني" أحزناني وأقلقاني "فأوحي إلي" بالبناء للمجهول، رواه الأكثر، ولبعض الرواة: "فأوحى الله إلي".
قال القرطبي: أي إلهاما، أو على لسان ملك "أن انفخهما" بهمزة وصل، وكسر النون للتأكيد والجزم على الأمر، وقال الطيبي: ويجوز أن تكون مفسرة، لأن أوحي يتضمن معنى القول، وأن تكون ناصبة والجار محذوف، "فنفختهما" زاد البخاري في المغازي ومسلم: فذهبا، وفي رواية ابن عباس التي قبلها: فطارا، وزاد سعيد بن منصور من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة: فوقع واحد باليمامة، والآخر اليمن، "فأولتهما بالكذابين اللذين أنا بينهما" لأن السوارين في اليدين جميعا، فهو بينهما، قال عياض، ويأتي توجيه القرطبي "صاحب صنعاء" الأسود العنسي "وصاحب اليمامة" بتخفيف الميمين: مدينة باليمن على أربع مراحل من مكة، يعني مسيلمة الكذاب، وهذا ظاهر في أنهما كانا موجودين حين قص الرؤيا، فيخالف قوله في رواية ابن عباس التي فوق هذه: "يخرجان بعدي"، والجمع بينهما أن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما، ودعواهما النبوة ومحاربتهما، نقله النبوي عن العلماء.
قال الحافظ: وفيه نظر؛ لأن ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياته صلى الله عليه وسلم، فادعى النبوة وعظمت شوكته، وحارب المسلمين وفتك بهم، وغلب على البلد، وآل أمره إلى أن قتل في

الصفحة 74