كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

يثرب، ورأيت فيها بقرا، والله خير، وإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذي أتانا الله بعد يوم بدر". رواه
__________
قال القرطبي: ولم يجزم بأحد البلدين، وليس في الرؤيا ما يدل على تعيين أحدهما، وإنما ذهب وهله إلى أحدهما لكثرة ما بهما من النخل.
وفي الصحيح مرفوعا: "أريت دار هجرتكم بين لابتين". قال الزهري: وهما الحرتان، قال ابن التين: رأى صلى الله عليه وسلم دار هجرته بصفة تجمع المدينة وغيرها، ثم رأى الصفة المختصة بالمدينة فتعينت، قال أبو عبد الله الأبي: فإن قيل: رؤياه حق، وقد ظن أحد البلدين ولم يتفق ذلك، أجيب بحضرة الشيخ حين أورد السؤال، بأن معنى كونها حقا، أنها ليست حلما من الشيطان، وأما باعتبار المطابقة فقد لا تجب المطابقة، ولم ينكره الشيخ، وأجاب هو، بأن الوهل يحتمل أن يكون أول حركة الذهن إلى التفسير، ثم لم يتماد عليه، ثم الوهل يحتمل أنه في النوم ويحتمل في اليقظة، انتهى.
ومراده بالشيخ الإمام محمد بن عرفة شيخه "ورأيت فيها" أي الرؤيا، اختصر الحديث تبعا للبخاري في التعبير، وإلا فقبل هذا في البخاري في علامات النبوة.
وفي مسلم: ورأيت في رؤياي هذه سيفا، فذكر ما يأتي، وقال عقبه: ورأيت فيها "بقرا"، "بموحدة وقاف" $"والله خير" "مبتدأ وخبر".
قال عياض: رويناه برفعهما، ومعناه عند الأكثر، أي ثواب الله للمقتولين خير لهم من مقامهم في الدنيا، وقيل: المعنى صنع الله خير لهم وهو قتلهم يوم أحد، قال الأبي: وعلى التقديرين، فارتفاعهما على المبتدأ والخبر، ويحتمل أنه على اعتبار العوض بالنصر، كما يقال: في الله عوض من كل هالك.
قال عياض: وقيل فيه تقديم وتأخير، والتقدير: رأيت والله بقرا ينحر، والاسم مخفوض على القسم، وبهذا اللفظ جاء في رواية السيرة، وسمي خيرا على التفاؤل وإن كان مكروها في الظاهر، أو باعتبار عقباه، كما يقول العابر لمن قص عليه رؤياه خير، والأولى قول من قال: والله خير من جملة الرؤيا، وأنها كلمة ألقيت إليه، وسمعها عند رؤياه بدليل قوله: وإذا الخير ... إلخ. انتهى.
"وإذا هم النفر"، "بفتح النون والفاء"، "من المؤمنين" الذين استشهدوا "يوم أحد".
قال القرطبي: أخذ النفر من لفظ بقر مصحفا، إذ لفظهما واحد ليس بينهما إلا النقط، يعني: والتصحيف من وجوه التأويل، وهذا لفظ مسلم ولفظ البخاري في المواضع كلها، فإذا هم المؤمنون يوم أحد، "وإذ الخير ما جاء الله به من الخير بعد".

الصفحة 80