كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت الليلة فيما يرى النائم، كأنا في دار عقبة بن نافع فأتينا برطب من رطب ابن طاب". فأولته أن الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب، ومن ذلك: رؤيته عليه الصلاة والسلام سيفا يهزه، وتعبيره ما روي في حديث أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ورأيت في رؤياي
__________
مسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كائنا"، "بنون" المتكلم ومعه غيره "في دار عقبة"، "بالقاف"، "ابن رافع"، "بالراء" الأنصاري، الصحابي، له ذكر في هذا الحديث.
وأخرجه ابن منده من حديثه، لكنه صحف أباه، فقال ابن نافع، "بالنون"، وتعقبه أبو نعيم وله حديث آخر، وهو: "إذا أحب الله عبدا أحماه الدنيا" أخرجه أبو يعلى والحسن بن سفيان، عنه رفعه، قاله في الإصابة ملخصا: "فأتينا برطب من رطب ابن طاب" نوع من أنواع تمر المدينة، منسوب إلى ابن طاب رجل من أهلها، "فأولته أن الرفعة لنا في الدنيا" أخذا من لفظ رافع، "والعاقبة في الآخرة" أخذا من لفظ عقبة، "وأن ديننا قد طاب" أي قارب الاستقامة، ويناهي صلاحه لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] .
وقد قيل: لعل هذه الرؤيا كانت بعد أحد والخندق واستقامة الدين، ويحتمل أنها كانت قبل تبشيرا له صلى الله عليه وسلم بما يكون من حاله وحال الدين، وتأول الرطب بالدين؛ لأنه حلو، في القلوب سهل، لأن الشريعة سمحة كملت بعد تدريج، كما أن الرطب سهل حلو، كمل بعد تدريج من الطلع، إلى أن صار رطبا، قال علماء التعبير: طرق التعبير أربعة: الاشتقاق كما تقدم، والثانية ما يعبر بمثاله ويعتبر بشكله، كدلالة متعلم الكتابة على القاضي والسلطان وصاحب السجن ورئيس السفينة، وعلى الوصي والوالد، والثالثة ما يفسره المعنى المقصود من ذلك الشيء المرئي، كدلالة فعل السفر على السفر، وفعل السوق على المعيشة، وفعل الدار على الزوجة والجارية، والرابعة: التعبير بما تقدم له ذكر في القرآن والسنة والشعر وكلام العرب وأمثالها، وكلام الناس وأمثالهم، أو خبر معروف, أو كلمة حكمة، وذلك كتعبير الخشبة بالمنافق، لقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ} [المنافقون: 4] والفأرة بالفاسق؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سماها فويسقة، وتعبير الزجاجة بفم المرأة لتسمية بعض الشعراء إياها بذلك، وكتعبير رؤية الأنبياء والخلفاء بما كان في أيامهم وخاص قصصهم.
قاله عياض: "ومن ذلك رؤيته عليه الصلاة والسلام سيفا يهزه"، "بضم الهاء" من باب نصر، أي يحركه، "وتعبيره ما روي في حديث أبي موسى" السابق في وسطه، عند مسلم والبخاري في العلامات، واقتصره هنا، فذكر منه هذه القطعة، وبوب عليه: إذا رأى الشخص أنه

الصفحة 84