كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

الصالحة، وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه صاحب الأمر، فقام به أكمل مقام، وقرر قواعد الدين، ثم خلفه أبو بكر فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم، ثم خلفه عمر فاتسع الإسلام في زمنه. فشبه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الذي فيه حياتهم وصلاحهم، وأميرهم المسقي لهم منها، وفي قوله: "فأخذ الدلو من يدي ليريحني" إشارة إلى خلافة أبي بكر بعد موته صلى الله عليه وسلم، لأن الموت راحة من كد الدنيا، وتعبها، فقام أبو بكر بتدبير أمر الأمة ومعاناة أحوالهم. وأما قوله: "وفي نزعه ضعف" فهو إخبار عن حاله في قصر مدة ولاته، وأما ولاية
__________
جرى للخليفتين من ظهور آثارهما الصالحة وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه صاحب الأمر، فقام به أكمل مقام، وقرر قواعد الدين" وفتح الله على يديه أمصار الكفر، مكة وخيبر والمدينة والبحرين وسائر جزيرة العرب، وأرض اليمن بكمالهما، وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل والمقوقس وملوك عمان، والنجاشي الذي ملك بعد أصحمة، "ثم خلفه، أبو بكر، فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم" فلما فرغ منهم أخذ في قتال الكفار، ففتح على يديه بصرى ودمشق وبلاد حوران وما والاها، "ثم خلفه عمر، فاتسع الإسلام في زمنه" ففتح على يديه البلاد الشامية كلها، ومصر والعراق وأكثر أقليم فارس، وكسر كسرى وفر إلى أقصى مملكته وفر هرقل إلى القسطنطينية، "فشبه أمر المسلمين بقليب" بئر "فيه الماء الذي فيه حياتهم وصلاحهم وأميرهم المسقي لهم منها".
وقال البيضاوي: أشار بالبئر إلى الدين الذي هو منبع ما به حياة النفوس وتمام أمر المعاش والمعاد، والنزع منه إخراج الماء إشارة إلى إشاعة أمره وإجراء أحكامه.
"وفي قوله: فأخذ الدلو من يدي ليريحني إشارة إلى خلافة أبي بكر بعد موته صلى الله عليه وسلم لأن الموت راحة من كد الدنيا وتعبها" خصوصا لمثله، ولذا لما قالت فاطمة في مرض موته: واكرب أبتاه، قال صلى الله عليه وسلم: "لا كرب على أبيك بعد اليوم". "فقام أبو بكر بتدبير أمر الأمة ومعاناة أحوالهم" أتم قيام.
وفي حديث: "أنا سيف الإسلام وأبو بكر سيف الردة".
"وأما قوله: "وفي نزعه ضعف". فهو إخبار عن حاله في قصر مدة ولايته" لأنها كانت سنتين وثلاثة أشهر، والاضطراب الذي وجد في زمنه من أهل الردة وفزارة وغطفان وبني يربوع وبعض تميم وكندة وبكر بن وائل وأتباع مسيلمة الكذاب، وإنكار بعض الزكاة، فدعا له بالمغفرة ليتحقق السامعون أن الضعف الذي وجد في نزعه هو من مقتضى تغير الزمان، لا أن ذلك منه، لكن نسب إليه إطلاقا لاسم المحل على الحال، وهو مجاز شائع في كلام العرب، فليس

الصفحة 90