كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 10)

فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا انفتل من صلاة الصبح أقبل على أصحابه فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا فليقصها عليّ أعبرها له"، فيقص الناس عليه مرائيهم.
وروى البخاري والترمذي عن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحد منكم رؤيا"؟ فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وأنه قال ذات غداة: "هل رأى أحد منكم رؤيا"؟، فقالوا: ما أحد رأى
__________
أو يقدر فيه، فهو ما تضمنه قولي: فقد كان "صلى الله عليه وسلم إذا انفتل"، "بهمزة وصل ونون ساكنة وفاء ففوقية مفتوحتين فلام" أي التفت "من صلاة الصبح" بعد السلام وما يليه من الأذكار، ولذا لم يقل فرغ لئلا يوهم التفاته بمجرد الفراغ، "أقبل على أصحابه" أي جعل وجهه إليهم، فقال: "من رأى منكم الليلة" أي الماضية "رؤيا فليقصها علي أعبرها له"، "فيقص الناس عليه مرائيهم" أي: ما يرونه في منامهم: جمع مرأى "بفتح فسكون" وهو محل الرؤيا، فالرؤيا إدراكه في منامه، والمرأة ما تعلقت به تلك الرؤيا.
"وروى البخاري" في التعبير والجنائز تاما، وروى أطرافا منه في مواضع، ومسلم قطعة من أوله، "والترمذي" تاما، "عن سمرة بن جندب" "بضم الدال وفتحها" "قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحد منكم" زاد في الجنائز: الليلة "رؤيا" مقصور غير منصرف، ويكتب بالألف، ولفظ البخاري كان مما يكثر.
قال الطيبي: مما خبر كان، وما موصولة، ويكثر صلته، والضمير الراجع إلى ما فاعل يقول. وقوله: أن يقول فاعل يكثر، و "هل رأى أحد منكم" هو المقول، أي رسول الله من الذين يكثر منهم هذا القول، فوضع ما موضع من تفخيما وتعظيما، كقوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} ، أو تقديره كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيد تأويل الرؤيا، وكان له مساهمة فهم، لأن الإكثار من هذا القول لا يكثر إلا من تدرب فيه بإصابته، كقوله: كان زيد من العلماء بالنحو، ومنه قول صاحبي السجن ليوسف: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ، أي المجيدين في عبارة الرؤيا، وعلما ذلك لما رأياه يقص عليه بعض أهل السجن، هذا من حيث البيان، وأما من طريق النحو، فيحتمل أن قوله: "هل رأى أحد منكم من رؤيا" مبتدأ، والخبر مقدم عليه على تأول هذا القول مما يكثر رسول الله أن يقوله، ومال في الفتح إلى ترجيح الوجه السابق، والمتبادر وهو الثاني، وهو الذي اتفق عليه أكثر الشارحين "فيقص عليه من شاء الله أن يقص" "بفتح الياء وضم القاف فيهما" كذا في رواية النسفي، وفي رواية غيره: ما، وهي للمقصوص ومن للقاص، قاله كله المصنف، "وأنه قال ذات غداة" بإقحام لفظ ذات أو هو من إضافة المسمى إلى اسمه، أو من إضافة الجزء إلى الكل، وهذا أولى؛ لأن السؤال لم يقع في جميع الغداة، وعليه فهو صفة لمحذوف، أي ساعة صاحبة غداة؟

الصفحة 93