كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 10)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ) هذا بدل عَلَى أَنَّهَا مَكَّةُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ. (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) وَهُوَ الْجُوعُ الَّذِي وقع بمكة. وقيل: الشدائد والجوع منها.

[سورة النحل (16): آية 114]
فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) أَيْ كُلُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْغَنَائِمِ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ بِطَعَامٍ رِقَّةً عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا ابْتُلُوا بِالْجُوعِ سَبْعَ سِنِينَ، وَقَطَعَ الْعَرَبُ عَنْهُمُ الْمِيرَةَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلُوا الْعِظَامَ الْمُحْرَقَةَ وَالْجِيفَةَ وَالْكِلَابَ الْمَيِّتَةَ وَالْجُلُودَ وَالْعِلْهِزَ، وَهُوَ الْوَبَرُ يُعَالَجُ بِالدَّمِ. ثُمَّ إِنَّ رُؤَسَاءَ مَكَّةَ كَلَّمُوا «1» رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَهِدُوا وَقَالُوا: هَذَا عَذَابُ الرِّجَالِ فَمَا بَالُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. وَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَالْعَفْوِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ. فَدَعَا لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَذِنَ لِلنَّاسِ «2» بِحَمْلِ الطعام إليهم وهم بعد مشركون.

[سورة النحل (16): آية 115]
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)
تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ" الْقَوْلُ فِيهَا مُسْتَوْفًي «3».

[سورة النحل (16): الآيات 116 الى 117]
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (117)
__________
(1). في ج: كاتبوا. [ ..... ]
(2). في ى: أمر الناس.
(3). راجع ج 2 ص 216 وما بعدها.

الصفحة 195