كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 10)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) أَيِ الدَّوْلَةَ وَالرَّجْعَةَ، وَذَلِكَ لَمَّا تُبْتُمْ وَأَطَعْتُمْ. ثُمَّ قِيلَ: ذَلِكَ بِقَتْلِ دَاوُدَ جَالُوتَ أَوْ بِقَتْلِ غَيْرِهِ، عَلَى الْخِلَافِ فِي مَنْ قَتَلَهُمْ. (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) حَتَّى عَادَ أَمْرُكُمْ كَمَا كَانَ. (وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) أَيْ أَكْثَرَ عَدَدًا وَرِجَالًا مِنْ عَدُوِّكُمْ. وَالنَّفِيرُ مَنْ نَفَرَ مَعَ الرَّجُلِ مِنْ عَشِيرَتِهِ، يُقَالُ: نَفِيرٌ وَنَافِرٌ مِثْلُ قَدِيرٍ وَقَادِرٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّفِيرُ جَمْعَ نَفْرٍ كَالْكَلِيبِ وَالْمَعِيزِ وَالْعَبِيدِ، قَالَ الشَّاعِرَ:
فَأَكْرِمْ بِقَحْطَانَ مِنْ وَالِدٍ ... وَحِمْيَرَ أَكْرِمْ بِقَوْمٍ نَفِيرَا
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ صَارُوا بَعْدَ هَذِهِ الْوَقْعَةِ الْأُولَى أَكْثَرَ انْضِمَامًا وَأَصْلَحَ أَحْوَالًا، جَزَاءً مِنَ اللَّهِ تعالى لهم على عودهم إلى الطاعة.

[سورة الإسراء (17): آية 7]
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7)
قوله تعالى: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) أَيْ نَفْعُ إِحْسَانِكُمْ عَائِدٌ عَلَيْكُمْ. (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) أَيْ فَعَلَيْهَا، نَحْوَ سَلَامٌ لَكَ، أَيْ سَلَامٌ عَلَيْكَ. قَالَ:
فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ «1»

أَيْ عَلَى الْيَدَيْنِ وَعَلَى الْفَمِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: اللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى، يَعْنِي وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَإِلَيْهَا، أَيْ فَإِلَيْهَا تَرْجِعُ الإساءة، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها «2» " أَيْ إِلَيْهَا. وَقِيلَ: فَلَهَا الْجَزَاءُ وَالْعِقَابُ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: فَلَهَا رَبٌّ يَغْفِرُ الْإِسَاءَةَ. ثُمَّ يُحْتَمَلُ أن يكون هذا
__________
(1). هذا عجز بيت لربيعة بن مكدم. وصدره:
وهتمت بالرمح الطويل إهانة

وقبل هذا البيت:
فصرفت راحلة الظعينة نحوه ... عمدا ليعلم بعض ما لم يعلم
وبعده:
ومنحت آخر بعده جياشة ... نجلاء فاغرة كشدق الاضجم
وهذه الآيات قبلت يوم الظعينة. راجع أمالى القالي ج 2 ص 270 طبع دار الكتب.
(2). راجع ج 20 ص 149.

الصفحة 217