كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 10)
مَطِيَّةُ الْآدَمِيِّ، وَمَتَى لَمْ يَرْفُقْ بِالْمَطِيَّةِ لَمْ تَبْلُغْ. وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ أَنَّهُ اشْتَرَى زُبْدًا وَعَسَلًا وَخُبْزَ حُوَّارَى، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا كُلُّهُ؟ فَقَالَ: إِذَا وَجَدْنَا أَكَلْنَا أَكْلَ الرِّجَالِ، وَإِذَا عَدِمْنَا صَبَرْنَا صَبْرَ الرِّجَالِ. وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يَأْكُلُ اللَّحْمَ وَالْعِنَبَ وَالْفَالُوذَجَ «1» ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ. وَمِثْلُ هَذَا عَنِ السَّلَفِ كَثِيرٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ مَا يَكْفِي فِي الْمَائِدَةِ «2» وَالْأَعْرَافِ «3» وَغَيْرِهِمَا. وَالْأَوَّلُ غُلُوٌّ فِي الدِّينِ إِنْ صَحَّ عَنْهُمْ." وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ «4» ".
[سورة الإسراء (17): آية 71]
يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَوْلُهُ تَعَالَى:" يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قَالَ:" يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابُهُ بِيَمِينِهِ، وَيَمُدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَيَبْيَضُّ وَجْهُهُ وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ فَيَنْطَلِقُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ ائْتِنَا بِهَذَا وَبَارِكْ لَنَا فِي هَذَا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ فَيَقُولُ أَبْشِرُوا لِكُلٍّ مِنْكُمْ مِثْلُ هَذَا- قَالَ- وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَسْوَدُّ وَجْهُهُ وَيُمَدُّ له في جسمه ستون ذرعا عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَيُلْبَسُ تَاجًا فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا! اللَّهُمَّ لَا تَأْتِنَا بِهَذَا. قَالَ: فَيَأْتِيهِمْ فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ أَخِّرْهُ. فَيَقُولُ أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلُ هَذَا". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ:" وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «5» ". وَالْكِتَابُ يُسَمَّى إِمَامًا، لِأَنَّهُ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تَعَرُّفِ أَعْمَالِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ:" بِإِمامِهِمْ" أَيْ بِكِتَابِهِمْ، أَيْ بِكِتَابِ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمُ الَّذِي فِيهِ عَمَلُهُ، دَلِيلُهُ" فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ". وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: بِالْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ عليهم. أي يدعى كل إنسان
__________
(1). الفالوذج: حلواء تعمل من الدقيق والماء والعسل. وفية لغات (عن الألفاظ الفارسية).
(2). راجع ج 6 ص 260.
(3). راجع ج 7 ص 195.
(4). راجع ج 17 ص 262 فما بعد.
(5). راجع ج 16 ص 174
الصفحة 296