كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 10)

ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُ مَغْفُورٌ وَأَنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُقْبِلُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يقول" هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ «1» " ثُمَّ يُدْعَى بِالْكَافِرِ فَيُعْطَى كِتَابُهُ بِشِمَالِهِ ثُمَّ يُلَفُّ فَيُجْعَلُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ وَيُلْوَى عُنُقُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ" وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ «2» " فَيَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ فَإِذَا سَيِّئَاتُهُ بَادِيَاتٌ لِلنَّاسِ وَيَنْظُرَ فِي حَسَنَاتِهِ لِكَيْلَا يَقُولَ أَفَأُثَابُ عَلَى السَّيِّئَاتِ. وَكَانَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يَقُولُ: يَا وَيْلَتَاهُ! ضِجُّوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الصَّغَائِرِ قَبْلَ الْكَبَائِرِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّغِيرَةُ التَّبَسُّمُ، وَالْكَبِيرَةُ الضَّحِكُ، يَعْنِي مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الصَّغِيرَةَ الضَّحِكُ. قُلْتُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَغِيرَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْصِيَةٍ، فَإِنَّ الضَّحِكَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ رِضًا بِهَا وَالرِّضَا بِالْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ كَبِيرَةً، فَيَكُونُ وَجْهُ الْجَمْعِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. أَوْ يَحْمِلُ الضَّحِكَ فِيمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى التَّبَسُّمِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:" فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها «3» " وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّ الصَّغَائِرَ اللَّمَمُ كالمسيس والقبل، والكبيرة المواقعة والزنى. وَقَدْ مَضَى فِي" النِّسَاءِ «4» " بَيَانُ هَذَا. قَالَ قَتَادَةُ: اشْتَكَى الْقَوْمُ الْإِحْصَاءَ، وَمَا اشْتَكَى أَحَدٌ ظُلْمًا، فَإِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهَا تَجْتَمِعُ عَلَى صَاحِبِهَا حَتَّى تُهْلِكَهُ. وَقَدْ مَضَى. وَمَعْنَى." أَحْصاها" عَدَّهَا وَأَحَاطَ بِهَا، وَأُضِيفَ الْإِحْصَاءُ إِلَى الْكِتَابِ توسعا. (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) أَيْ وَجَدُوا إِحْصَاءَ مَا عَمِلُوا حَاضِرًا. وَقِيلَ: وجدوا جزاء مَا عَمِلُوا حَاضِرًا (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) أَيْ لَا يَأْخُذُ أَحَدًا بِجُرْمِ أَحَدٍ، وَلَا يأخذوه بما لم يعمله، قال الضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُصُ طَائِعًا مِنْ ثَوَابِهِ ولا يزيد عاصيا في عقابه.

[سورة الكهف (18): آية 50]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (50)
__________
(1). راجع ج 18 ص 268 فما بعد.
(2). راجع ج 19 ص 170.
(3). راجع ج 13 ص 175.
(4). راجع ج 5 ص 158.

الصفحة 419