كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 10)

رَبِّنَا. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الْقَائِلُونَ لَهُمُ اخْتِبَارًا فَأَجَابُوا بِقَوْلِهِمْ:" أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ" فَأَقَرُّوا بِإِنْكَارِ «1» شي هُوَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. وَالْأَسَاطِيرُ: الْأَبَاطِيلُ وَالتُّرَّهَاتُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَنْعَامِ «2» وَالْقَوْلُ فِي" مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ" كَالْقَوْلِ فِي" مَاذَا يُنْفِقُونَ «3» " وَقَوْلُهُ: (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ، التَّقْدِيرُ: الَّذِي أَنْزَلَهُ أساطير الأولين.

[سورة النحل (16): آية 25]
لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ (25)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ) قِيلَ: هِيَ لَامُ كَيْ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا قَبْلَهَا. وَقِيلَ: لَامُ الْعَاقِبَةِ، كَقَوْلِهِ:" لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً «4» ". أَيْ قَوْلُهُمْ فِي الْقُرْآنِ وَالنَّبِيِّ أَدَّاهُمْ إِلَى أن حملوا أوزارهم، أي ذنوبهم. (كامِلَةً) لم يتركوا منها شي لنكبة أصابتهم في الدنيا بكفرهم. وقيل: هي لام الامر، والمعنى التهدد. بِكُفْرِهِمْ. (وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) قَالَ مُجَاهِدٌ: يَحْمِلُونَ وِزْرَ مَنْ أَضَلُّوهُ وَلَا ينقص من إثم المضل شي. وَفِي الْخَبَرِ" أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ فَاتُّبِعَ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ من غير أن ينقص من أوزارهم شي وَأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ فَلَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أجورهم شي" خرجه مسلم بمعناه. و" من" لِلْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ، فَدُعَاةُ الضَّلَالَةِ عَلَيْهِمْ مِثْلُ أوزار من اتبعهم. وقوله: بِغَيْرِ عِلْمٍ أَيْ يُضِلُّونَ الْخَلْقَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِمَا يَلْزَمُهُمْ مِنَ الْآثَامِ، إِذْ لَوْ عَلِمُوا لَمَا أَضَلُّوا. (أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ) أَيْ بِئْسَ الْوِزْرُ الَّذِي يَحْمِلُونَهُ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ" وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ «5» وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ" وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ" الْأَنْعَامِ «6» " بَيَانُ قَوْلِهِ:" وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ".
__________
(1). في ج وى: إنزال.
(2). راجع ج 6 ص 405.
(3). راجع ج 3 ص 36.
(4). راجع ج 13 ص 25، ص 330.
(5). راجع ج 13 ص 25، ص 330.
(6). راجع ج 7 ص 157.

الصفحة 96