كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 10)

موضع كذا " فكانت براءة من آخر القرآن نزولا، فتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يبين موضعها، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فقرنت بينهما.
قال الن العربي " هذا دليل على أن القياس أصل في الدين؛ ألا ترى إلى عثمان بن عفان وأعيان الصحابة، كيف نحوا إلى قياس الشبه عند عدم النص، ورأوا أن قصة " براءة " شبيهة بقصة " الأنفال " فألحقوها بها؟ فإذا كان الله تعالى قد بين دخول القياس في تأليف القرآن فما ظنك بسائر الأحكام "؟
قال القاضي: " لا يبعد أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام بين كون هذه السورة تالية لسورة الأنفال؛ لأن القرآن مرتب من قبل الله تعالى، ومن قبل رسوله على الوجه الذي نقل، ولو جوزنا في بعض السور ألا يكون ترتيبها من الله تعالى على سبيل الوحي، لجوزنا مثله في سائر السورة، وفي آيات السورة الواحدة، وتجويزه يعضد ما يقوله الإمامية من تجويز الزيادة والنقصان في القرآن، وذلك يخرجه عن كونه حجة ".
والصحيح: أنه عليه الصلاة والسلام أمر بوضع هذه السورة بعد سورة الأنفال وحيا، فإنه عليه الصلاة والسلام حذف " بسم الله الرحمن الرحيم " من أول هذه السورة وحيا.
الوجه الثاني: روي عن أبي بن كعب أنه قال: إنما توهموا ذلك، لأن في الأنفال ذكر العهود، وفي براءة نبذ العهود، فوضعت إحداهما بجنب الأخرى، والسؤال المذكور عائد هنا، لأن هذا الوجه إنما يتم إذا قلنا: إنهم إنما وضعوا هذه السورة بعد الأنفال من قبل أنفسهم لهذه العلة.
الوجه الثالث: أن الصحابة اختلفوا في أن سورة الأنفال، وسورة التوبة هل هما سورة واحدة أم سورتان؟ قال بعضهم: هما سورة واحدة؛ لأن كليهما نزلتا في القتال، ومجموعهما هذه السورة السابعة من الطوال، وهي سبع، وما بعدها المئون، وهذا قول ظاهر؛ لأنهما معا مائتان وست آيات، فهما بمنزلة سورة واحدة.
ومنهم من قال سورتان، فلما ظهر الاختلاف من الصحابة في هذا الباب، تركوا بينهما فرجة تنبيها على قول من يقول هما سورتان، وما كتبوا " بسم الله الرحمن الرحيم "

الصفحة 4