كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 10)
تنبيها على قول من يقول هما سورة واحدة، وعلى هذا القول لا يلزم منه تجويز مذهب الإمامية؛ لأنه لما وقع الاشتباه في هذا المعنى بين الصحابة لم يقطعوا بأحد القولين، وهذا يدل على أن هذا الاشتباه كان حاصلا، فلما لم يتسامحوا بهذا القدر من الشبهة دل على أنهم كانوا مشددين في ضبط القرآن عن التحريف والتغيير، وذلك يبطل قول الإمامية.
الوجه الرابع: أنه تعالى ختم سورة الأنفال بإيجاب موالاة المؤمنين بعضهم بعضا، وأن يكونوا منقطعين عن الكفار بالكية. ثم إنه تعالى صرح بهذا المعنى في قوله: {براءة من الله ورسوله} فلما كان هذا عين ذلك الكلام، وتأكيدا له وتقريرا له، لزم الفاصل بينهما وكان إيقاع الفاصل بينهما تنبيها على كونهما سورتين متغايرتين، وترك كتابة البسملة تنبيها على أن هذا المعنى هو عين ذلك المعنى.
الوجه الخامس: قال القرطبي: " قيل: إنه كان من شأن العرب في الجاهلية، إذا كان بينهم وبين قوم عهد فأرادوا نقضه كتبوا إليهم كتابا ولم يكتبوا فيه البسملة، فلما نزلت سورة براءة ينقض العهد الذي كان بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين المشركين، أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتابته بغير بسملة، وبعث بها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فقرأها عليهم في الموسم ولم يبسمل على ما جرت به عادتهم في نقض العهد من ترك البسملة ".
قال ابن عباس: سألت عليا - رضي الله عنه -: لم لم تكتب " بسم الله الرحمن الرحيم " ههنا؟ قال: لأن " بسم الله الرحمن الرحيم " أمان، وهذه السورة نزلت بالسيف ونبذ العهد، وليس فيها أمان.
ويروى أن سفيان بن عيينة ذكر هذا المعنى وأكده بقوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} [النساء: 94] فقيل له: أليس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل الحرب " بسم الله الرحمن الرحيم "؟ فأجاب عنه: بأن ذلك ابتداء منه بدعوتهم إلى الله تعالى، ولم ينبذ إليهم عهدهم، ألا ترى أنه قال في آخر الكتاب {والسلام على من اتبع الهدى} [طه: 47] .
وأما هذه السورة فقد اشتملت على المقاتلة ونبذ العهد، فظهر الفرق.
الوجه السادس: قالت الشافعية: لعل الله تعالى لما علم من بعض الناس أنهم يتنازعون في كون " بسم الله الرحيم الرحيم " من القرآن، أمر بأن لا تكتب ههنا، ليدل ذلك على كونها آية من كل سورة، فإنها لما لم تكن آية من هذه السورة لا جرم لم تكتب وذلك يدل على أنها لما كتبت في أول سائر السور وجب كونها آية من كل سورة، وقد يعكس عليهم ذلك فيقال: لو كانت آية من كل سورة لما أسقطها من هذه السورة؟ .
الصفحة 5
624