كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 10)

@ 12 @
فملكها ومعه العساكر النورية وسبب ذلك ما ذكرناه من تمكن الفرنج من البلاد المصرية وأنهم جعلوا لهم في القاهرة شحنة وتسلموا أبوابها وجعلوا لهم فيها جماعة من شجعانهم وأعيان فرسانهم وحكموا على المسلمين حكما جائرا وركبوهم بالأذى العظيم فلما رأوا ذلك وأن البلاد ليس فيها من يردهم أرسلوا إلى ملك الفرنج بالشام وهو مري ولم يكن للفرنج مذ ظهر بالشام مثله شجاعة ومكرا ودهاء يستدعونه ليملكها وأعلموه خلوها من موانع وهونوا عليه فلم يجبهم فاجتمع إليه فرسان الفرنج وذو الرأي منهم وأشاروا عليه بقصدها وتملكها فقال لهم الرأي عندي أننا لا نقصدها ولا طمعة لنا فيها وأموالها تساق الينا نتقوى بها على نور الدين وإن نحن قصدناها لنملكها فإن صاحبها وعساكره وعامة بلاده وفلاحيها لا يسلمونها إلينا ويقاتلوننا دونها ويحملهم الخوف منا على تسليمها إلى نور الدين ولئن صار له فيها مثل أسد الدين فهو هلاك الفرنج وإجلاؤهم من أرض الشام فلم يقبلوا قوله وقالوا له إنها لا مانع فيها ولا حتمي وإلى أن يتجهز عسكر نور الدين ويسير إليها نكون نحن قد ملكناها وفرغنا من أمرها وحينئذ يتمنى نور الدين منا السلامة فسار معهم على كره وشرعوا يتجهزون ويظهرون أنهم يريدون قصد مدينة حمص فلما سمع نور الدين شرع أيضا يجمع عساكره وأمرهم بالقدوم عليه وجد الفرنج في السير إلى مصر فقدموها ونازلوا مدينة بلبيس وملكوها قهرا مستهل صفر ونهبوها وقتلوا فيها وأسروا وكان جماعة من أعيان المصريين قد كاتبوا الفرنج ووعدوهم النصرة عداوة منهم لشاور بن الخياط وابن فرجلة فقوي جنان الفرنج وساروا من بلبيس إلى مصر فنزلوا على القاهرة عاشر صفر وحصروها فخاف الناس منهم أن يفعلوا بهم كما فعلوا بأهل بلبيس فحملهم الخوف منهم على الامتناع فحفظوا البلد وقاتلوا دونه وبذلوا جهدهم في حفظه فلو أن الفرنج احسنوا السيرة في بلبيس ملكوا مصر والقاهرة ولكن الله تعالى حسن لهم ذلك أي ما فعلوا { ليقضي الله أمرا كان مفعولا } وأمر شاور بإحراق مدينة مصر تاسع صفر وأمر أهلها بالانتقال منها إلى القاهرة وأن ينهب البلد فانتقلوا وبقوا على الطرق ونهبت المدينة وافتقر أهلها وذهبت أموالهم ونعمتهم قبل نزول الفرنج عليهم بيوم خوفا أن

الصفحة 12