كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 10)

@ 13 @
يملكها الفرنج فبقيت النار تحرقها أربعة وخمسين يوما وأرسل الخليفة العاضد إلى نور الدين يستغيث به ويعرفه ضعف المسلمين عن دفع الفرنج وأرسل في الكتب شعور النساء وقال هذه شعور نسائي من قصري يستغثن بك لتنفيذهن من الفرنج فشرع في تسيير الجيوش
أما الفرنج فإنهم اشتدوا في حصار القاهرة وضيقوا على أهلها وشاور هو المتولي للأمر والعساكر والقتال فضاق به الأمر وضعف عن ردهم فأخلدا إلى إعمال الحيلة فأرسل إلى ملك الفرنج يذكر له مودة ومحبة له قديما وأن هواه معه لخوفه من نور الدين والعاضد وإنما المسلمون لا يوافقونه على التسليم إليه ويشير بالصلح وأخذ مال لئلا يتسلم البلاد نور الدين فأجابه إلى ذلك على أن يعطوه ألف ألف دينار مصرية يعجل البعض ويمهل البعض فاستقرت القاعدة على ذلك ورأى الفرنج أن البلاد قد امتنعت عليه وربما سلمت إلى نور الدين فأجابوا كارهين وقالوا نأخذ المال فنتقوى به ونعاود البلاد بقوة لا نبالي معها بنور الدين { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } فجعل لهم شاور مائة ألف دينار وسألهم الرحيل عنه ليجمع لهم المال فرحلوا قريبا وجعل شاور يجمع لهم المال من أهل القاهرة ومصر فلم يتحصل له إلا قدر لا يبلغ خمسة آلاف دينار وسببه أن أهل مصر كانوا قد احترقت دورهم وما فيها وما سلم نهب وهم لا يقدرون على الأقوات فضلا عن الأقساط
وأما أهل القاهرة فالأغلب على أهلها الجند وغلمانهم فلهذا تعذرت عليهم الأموال وهم في خلال هذا يراسلون نور الدين بما الناس فيه وبذلوا له ثلث بلاد مصر وأن يكون أسد الدين مقيما عندهم في عسكر وإقطاعهم من البلاد المصرية أيضا خارجا عن الثلث الذي لهم وكان نور الدين لما وصله كتب العاضد بحلب أرسل إلى أسد الدين يستدعيه إليه فخرج القاصد في طلبه فلقيه على باب حلب وقد قدمها من حمص وكانت أقطاعه
وكان سبب وصوله أن كتب المصريين وصلته أيضا في المعنى فسار أيضا إلى نور الدين واجتمع به وعجب نور الدين من حضوره في الحال وسره ذلك وتفاءل به وأمر بالتجهيز إلى مصر وأعطاه مائتي ألف دينار سوى الثياب والدواب والأسلحة وغير ذلك وحكمه في العسكر والخزائن واختار

الصفحة 13