@ 25 @
وهي والدة سيف الدين على صرف الملك عن عماد الدين إلى سيف الدين فدخل عماد الدين إلى عمه نور الدين مستنصرا به ليعينه على أخذ الملك لنفسه وتوفي قطب الدين وعمره نحو أربعين سنة وكان ملكه إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفا وكان فخر الدين هو المدبر للأمور والحاكم في الدولة وكان قطب الدين من أحسن الملوك سيرة وأعفهم عن أموال رعيته محسنا إليهم كثير الإنعام عليهم محبوبا إلى كبيرهم وصغيرهم عطوفا على شريفهم ووضيعهم كريم الأخلاق حسن الصحبة لهم فكأن القائل أراده بقوله
( خلق كماء المزن مذاقة ... والروضة الغناء طيب نسيم )
( كالسيف لكن فيه حلم واسع ... عمن جنى والسيف غير حليم )
( كالغيث إلا أن وابل جوده ... أبدا وجود الغيث غير مقيم )
( كالدهر إلا أنه ذو رحمة ... والدهر قاسي القلب غير رحيم )
وكان سريع الانفعال للخير بطيئا عن الشر جم المناقب قليل المعايب رحمه الله ورضي عنه وعن جميع المسلمين بمنه وكرمه أنه جواد كريم
$ ذكر حالة ينبغي للملوك أن يحترزوا من مثلها $
حدثني والدي رحمه الله قال كنت أتولى جزيرة ابن عمر لقطب الدين كما علمتم فلما كان قبل موته بيسير أتانا كتاب من الديوان بالموصل يأمرون بمساحة جميع بساتين العقيمة وهذه العقيمة هي قرية تحاذي الجزيرة منها دجلة ولها بساتين كثيرة بعضها يمسح فيؤخذ منه على كل جريب شيء كعلوم وبعضها عليه خراج وبعضها مطلق عن الجميع قال وكان لي فيها ملك كثير فكنت أقول إن المصلحة أن لا يغير على الناس شيء وما أقول هذا لأجل ملكي فإنني أنا أمسح ملكي وإنما أريد أن يدوم الدعاء من الناس للدولة فجاءني كتاب النائب يقول لا بد من المساحة قال فأظهرت الأمر وكان بها قوم صالحون لي بهم أنس وبيننا مودة فجاءني الناس كلهم وأولئك معهم يطلبون المراجعة فأعلمتهم أني راجعت وما أجبت إلى ذلك فجاءني منهم رجلان أعرف صلاجهما وطلبا مني المعاودة ومخاطبة ثانية ففعلت فأصروا على المماسحة فعرفتهما الحال قال فما مضى إلا عدة أيام وإذ قد جاءني الرجلان فلما رأيتهما ظننت أنهما جاءا يطلبان المعاودة فعجبت